أدب وثقافة

خواطر من طيبة (2) – عمرة عبر طريق الهجرة / الأستاذ حمّاد ولد أحمد

رحلتنا إلى مكة عبر طريق الهجرة، مررنا بمحطات تاريخية، من أكثرها رسوخا في ذهني، وارتباطا بوجداني بفعل حكايات والدتي حفظها الله موضعٌ ذو بالٍ ومكان ذو مكانة يسمى (وادي قديد) حيث مضارب قبيلة خزاعة، وفيه وصفت – لعمري – أم معبد الخزاعية سيد البشر عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام وصفا خلدته كتب أعلام السيرة، ورسخته الحكاياتُ التلقينية التقليدية في حافظتي وأبقى في مخيلتي أثرا أي أثر، فما زال غذاء للروح وزادا للوجدان.

بعد حدود منتصف الليل كان البرق الهتون يلعلع فوق سلسلة جبال وادي قديد الشاهقة، الممتدة إلى ما بعد الحجون، وفق ما توضحه جغرافيا المنطقة، ويهبُ نسيم عليل من تلقاء أماكن يشتاقها الولهان..غزارة المطر جعلت سيارتنا تتثاقل في سيرها الوئيد، خلافاً لما تشتهيه سفن تلهفنا الجامح، فأمامنا أشواط وخطى طويلة، والفجر قاب قوسين أو أدنى من الطلوع.

بعد هنيهةٍ لاحت لنا أنوارُ مكة المكرمة، وأنجمُها المضيئة بهاءً، مضفية على المنظر المهيب سكينة ورحمة تغشيان المكان.. نعم إنها رحاب البيت العتيق، أول بيت وضع للناس، وقبلة الموحدين.

ما إن دخلنا الحرم الشريف، وتراءت لنا الكعبة المشرفة، حتى ودعنا آخر خيوط الفجر..المشهد أصبح أكبر من تصوري ومن ملكاتي التعبيرية.. ولكم أن تتخيلوه معي .. علا النداء واخترق المسامع أذان الفجر، وعلت كلمة التوحيد ، وأمواجٌ بشرية من المؤمنين تنتظم في عقود متراصة استعدادا للصلاة.. الكل تكتحل مآقيه بنظرات واجمة إلى البيت العتيق..

غشيتنا الرحمة في مشهد روحاني آخر، أثناء الطواف بالكعبة المشرفة، حين انهمر فوق رؤوسنا ماء مزن مرجحنة ، هلل له الطائفون ..وسُربه العاكفون والركع السجود خلف المقام الأسنى ..

هذا عن المشهد المهيب البهي داخل الحرم المكي، أما عن بهاء منظر البطحاء خارج الحرم وقد ارتوت واهتزت وربت، فحدث ولا حرج..
ولأنها مشاهد نقية صافية حفرتها الأشواق في عمق الذاكرة فلم يرق لي إلا أن أشارككم إياها، حتى ولو خانتني العبارة، وأعياني المنطق.
(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره)

حمّاد ولد أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق