أدب وثقافةالأستاذ محمد بن بتار بن الطلبةتقارير وبحوثفتاوي

الفقيه محمد ولد بتار ولد الطلبه يرد على الشنقيطي بخصوص “عدم استتابة المرتد”

 

بسم الله الرحمن الرحيم

في الملاحظة الأولى يرى الشنقيطي أن من المبادئ التي تنبغي المحافظة عليها ترك باب الخروج من الإسلام مفتوحا ليبقى باب الرجوع مفتوحا.
وفي هذا الرأي تقويض صريح لقاعدة من أعظم القواعد الشرعية وهي الموازنة بين المصالح والمفاسد ، فهو بهذا يدعو إلى ارتكاب مفسدة محققة من أجل تحصيل مصلحة متوهمة، فكأنه يقول : دعوهم يخرجوا من الإسلام فلعلهم يرجعون إليه.!
لعله لم يسمع قط قول الشاعر:
رأى الأمر يفضي إلى آخر
فصيّر آخره أولا .
وفي الملاحظات 2، 3 ، 4، 5، 7 ، 8 يستند الشنقيطي في رأيه القاضي بمسالمة المرتد إلى آية لا حجة له فيها ؛ فقد قال ابن حزم في المحلى (١١٨/١٢)
إن قول الله تعالى (لا إكراه في الدين) لا حجة فيه لأنه لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها ، لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه ؛ فمن قائل يكره ولا يقتل ومن قائل يكره ويقتل. انتهى

وحكى الإجماع على قتل المرتد بعد الاستتابة في مراتب الإجماع (١٢٧)

والإجماع دليل قطعي عند أهل السنة، ومعلوم عند العامة والخاصة أن إجماعات ابن حزم من أصحها.

فإذا كان الشنقيطي لا يقنعه ما يقنع العلماء من الأدلة الظنية فهذا دليل قطعي .
في الملاحظة 6 يقول الشنقيطي “قتل بريء……..” وهو يتحدث عن المرتد .
ما معنى براءة المرتد عند الشنقيطي.
وعلى كل حال فالمقارنة غير واردة لأن العلماء لا يفتون بقتل البريء ولا بتبرئة من ثبت استحقاقه للقتل شرعا .
قوله في الملاحظة 9، لو كان ما وقع من قتل المتمردين في عصر الصحابة حدا شرعيا لما صح تنفيذه دون تقاض …
ما مراد الشنقيطي بالتقاضي الذي لم يوجد في هذه الحالة ؟ ، فالمرتدون في عهد أبي بكر بُعث إليهم السعاة فمنعوا الزكاة وأعلنوا بذلك فاستشار أبوبكر في أمرهم الصحابة فاتفقوا على قتالهم ؛ وما يوم حليمة بسر ؛ وقتالهم كان للكفر ومنع الزكاة معا ؛ قال أبوبكر الجصاص في أحكام القرآن : وقد كان قتال أبي بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة لموافقة الصحابة إياه على شيئين :
أحدهما الكفر والآخر منع الزكاة وذلك لأنهم امتنعوا من قبول فرض الزكاة ومن أدائها فاتنظموا به معنيين أحدهما الامتناع من قبول أمر الله تعالى وذلك كفر والآخر الامتناع من أداء الصدقات المفروضة في أموالهم إلى الإمام . انتهى
وفي هذا الكلام رد على ما ذكر الشنقيطي في الملاحظة 13

في الملاحظتين 11، 28 ، أنكر الشنقيطي التمييز بين الكفر الأصلي والكفر بالردة ، والواقع أن الردة كفر بعد تقرر حكم الإسلام ؛ فالمسلم تجري عليه أحكام الإسلام من حد وتعزيز وأمر ونهي وغير ذلك وعقوبة المرتد من هذا الباب كحد الخمر والسرقة والزنا .
أما الكافر الأصلي فلا تجري عليه أحكام الإسلام ؛ فكما أننا لا نحده في الخمر والزنا وغير ذلك لا نعاقبه على كفره كما يعاقب المسلم ، لكننا ندعوه للإسلام بالطرق التدريجية المعروفة التي نهايتها القتال.
كما أننا نطالب المرتد بالرجوع للإسلام بالطرق التدريجية المعروفة التي نهايتها القتل.
فأي تمييز يُنكر هنا؟

في الملاحظتين: 15، 16 ، استدل الشنقيطي بكلام عمر رضي الله عنه في شأن بني بكر بن وائل ، ولا حجة له فيه لأن السياق صريح في أن الذي أنكر عمر هو قتل المرتد من غير استتابة . ويدل لذلك قول أبي عمر بن عبد البر معلقا على الخبر : يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا فإن لم يتوبوا قتلوا، هذا لا يجوز غيره لقوله صلى الله عليه وسلم) من بدل دينه فاقتلوه)

في الملاحظة 18 جعل الشنقيطي من مذهب النخعي والثوري مذهبا مكافئا للمذهب القائل بقتل المرتد. ومذهبهما في غاية الضعف حتى إنه لم يمنع ابن حزم من حكاية الإجماع على قتل المرتد مع أنه ذكر قولهما في نفس المحل.

في الملاحظة 19 ، علل الشنقيطي مذهب الحنفية في المرتدة بما يوافق هواه ، والذي احتج به الحنفية لمذهبهم هو حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء)
فالحنفية أعملوا الدليلين فجمعوا بين الحديثين بجعل أحدهما مخصصا لعموم الآخر ، وأعملوا العام في جهة عمومه، ولم يحتجوا بالآية. والشنقيطي يرفض إعمال حديث قتل المرتد بالكلية. ويرده بالآية.
فشتان ما بين اليزيدين.

في الملاحظة 27، استدل الشنقيطي بقول ابن حزم في المحلى “ولا يصح أصلا عن أبي بكر …”
هذا الكلام ذكره ابن حزم في سياق ذكر أقسام المرتدين والأقوال المنقولة في شأنهم ، وقد ذكره دليلا لمن يقول بالاستتابة أبدا من غير قتل.
وقد قدمنا أن هذا القول بلغ من الضعف أن لم يمنع ابن حزم في المراتب من حكاية الإجماع على قتل المرتد.
ولو سلمنا أنه دليل ساقه ابن حزم محتجا به مع مناقضة ذلك لحكايته الإجماع على خلافه فلا حجة فيه؛ لأن عدم حصول واقعة في عهد أبي بكر لا يقتضي انتفاء حكمها الثابت بالأدلة عند أهل السنة.

وما عدا هذا من ملاحظات الشنقيطي استدلالات عقلية فلسفية أعلى درجاتها أن تكون اجتهادا معارضا للحديث الصحيح ، وإذا كان الحديث خبرَ آحاد فخبر الآحاد أدنى مراتبه أن يكون مقدما على اجتهاد أهل العصر خصوصا إن كان راوياه الإمام مالك والإمام البخاري.

أما خاتمة ملاحظات الشنقيطي التي تضمنت الخلاصة فتعليقي عليها سؤال أوجهه إلى القراء:

أي الأمرين أحق بأن يسمى بنيات الطريق؟

أهو الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باستكمال جميع ضوابط الصحة التي وضعها علماء الحديث، وإجماع مجتهدي الأمة، وتفسيرات جماهير علماء السنة؟

أم هو أفكار الأستاذ الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي وآراؤه وتأويلاته ؟

أي الأمرين أحق بأن يسمى محكم الدين وأيهما أحق بأن يسمى بنيات الطريق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق