صفية محمد الحافظ فتى

من قصة صديقتي السورية / صفية محمد الحافظ فتى

4/1

أثناء صلاة القيام وبعد تلاوة الشيخ للآية الكريمة ( فإن يكفر بها هولاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكفرين ). سمعت بكاءخافتا بجانبي حيرني فبادرت بعد السلام أتحسس ت جاراتي فإذا بسيدة ملامحها شامية عليها مسحة جمال ونور استقامة لا زالت دمعتها على خدها دنوت منها
خيرا أختي ما ذا يبكيك قالت هذه الآيةوسألتها : خيرا ؟
فقد استغربت فليست الآية آية وعد ولا وعيد تلطفت بها وأصررت على إيصالها بسيارتي أحابتني إن لي مع هذه الآية شأن
-ماذاك حبيبتي؟
ء- تريدين تفصيلا مملا عن قصتي
-نعم
نزحت كغيري من السوريين لهذا البلد منذ أكثر من ثلاث سنين ..
كنت أعيش في بلدي الرفاهية بكل معانيها حبا وأمنا وملكا كبيرا ولكنها الأقدار ساقتني إليكم وراضية بقضاء الله وقدره..
تعرفت على جارة كريمة جعلت ولدي ولدها وهمي همها ولم تدخر جهدا من أجل حصولي على عمل شربف يدر دخلا
ولكني كنت كل مرة أرفض ولسيما عمل البيوت واكتفي بصنع الفطاير وتوزيعها على بعض المحلات
وذات يوم والمدارس على الأبواب إذا بجارتي الحبيبة تناشدني الله ألا أرفض هذا العرض المغري على حد قولها
عاملة بيت برتبة موظفة : راتب كبير، سكن مريح لك ولإبنك و الكثير من الامتيازات أثنت على أرباب العمل أسرة طيبة لن تعاملك إلا بالتي هي أحسن وستكونين أنت ربة البيت قالت لي ( أنت طيبة وستكسبينهم بطيبتك ) رضحت لإلحاحها رغم انه كان أبعد شيء إلى نفسي فلم أعهد نفسي إلا آمرة أوناهية
ولكن قسوة الظروف والوعود البراقة أضعفتني تخيلت نفسي بقصري بحلب وحولي أهلي وعزوتي
كانت البداية معقولة مرت الأيام ببطء حتى اليوم السابع بالضبط حيث نفدت قنينة الغاز أخبرت مخدومتي بذلك أجابت ببرود ” كبيه شور البتيگ وعمريه ” أحسست بالضعف
تمالكت نفسي ونزلت للبقالة واكتريت حمالا نفذ لي المهمة تابعت عملي بجد وإخلاص وتفاني مقابل القمة في عدم الذوق فلا تجد شكرا ولا جزاك الله خيرا من ربة البيت البته وقد تجدها أحيانا من إحدى البنات باردة كالتلج
ومما كان يطمئنني ويشجعني على الاستمرار براءة صبية وأخلاق دكتور
صبية طوقوني بخبهم تبرعت لهم بدروس تقوية كنتت أرى ثمزتها في تفوقهم
أما الدكتورفهو شقيق السيدة و قد كنت أشتاق ليوم السبت معاذ الله لاحبافي اليهود بل شوقا للكلمة الطيبة فذلك اليوم هو الوحيد الذي أسمع فيه عبارة (أحسنت صنعا ) بارك الله فيك سسيثني على مائدتي على ترتيبي للبيت سيتفقد صحتي .
ألفت العمل معهم على مافيه من مطبات.
وبعد امتحانات السنة النهائية وأنا أنتظر التكريم والتهنئة إذا بالبنت الجامعية والتي تهمس لي أحيانا بكلمة “شكرا”تقول:
سحر هذا راتبك وبعض مستخقاتك ‘ نحن واعدين البادية ”
دهشت غاية حاولت الاستفسار من السيدة الكبيرة فإذا بها خرجت للسوق .
اخذت أغراضي وولدي واتجهت إلى جارتي الحبيبة عاتبتها ( هذا ما كنت أقوله لك دائما وتنكريه وبدأت بسرد قصصي مع تلك الأسرة وليست قصة الوليمة ببعيد:
قبل شهرين تقريبا من الفصل المتعسف كان زواج بكرها وكانت الوليمة في البيت فأبليت فيها بلاء حسنا مستعينة ببعض بنات بلدي فكانت وليمة رائعة ومتميرة كنت انتظر بعدهاتعويضات مادية ومعنوية لصديقاتي المغتربات وللأما نة سمعت من العريس شكرا (يابسة)و وأما من العائلة فمازلت أنتظرها .

يتواصل

4/2

 

واصلت الحديث مع حبيبتي متألمة: فلكم من مائدة أعجبتهم لحسوا أوانيها بدون سلمت أناملك وإن لم تعجبهم فلا مجاملة البته ستوبخني ملامحهم لا محالة.
للأمانة لم تكن سيدة البيت قاسية وصعبة مع الجميع بل كانت متدينة وراقية في جل معاملاتها إلا معي !!! وهذا ما لم أفهمه أو أتفهمه فزوجها ليس حاضرا -فهو يعمل في الخارج- ليكون تعاملها بسبب الغيرة ، لكني أعتقد أن السبب يعود للنظرة الدونية لعاملات البيوت فهي تعامل عاملة بيت شقيقها نفس المعاملة ..
فعاملة المنزل بالنسبة لها كائن بين الأنسان والحيوان لا يستحق الشكر ولا الثناء ..
بعد أخذ ورد مع جارتي الحبيبة همست لي : أظن فصلك عن الشغل غيرة فابو زكرياء عطلته قريبة وومريم غيورة وانت حباك الله جمالا وملاحة !!
لم أجب فأنا لم أعد أفهم شيئا !
المهم تابعت حياتي ألفت البطالة استأجرت بيتا صغيرا قرب الحبيبة الطيبة – طبعا – وآليت الا أعمل خادمة بعدها أبدا ..
كثر الحنين و الرنين علي وعلى هاتفي وتوالت الأصوات وظهرت الارقام إلا أصوات بيتي “الطيب’ فلقد وضعوني في سلة النسيان والإهمال وكأني لم أمسح يوما على مريضهم ولم أكرم ضيوفهم
فهذه بائعة الخضرة وذلك السائق وتلك زيبدة مراقبة مدرسة معاذ -كما كنت أتمنى- الكل اتصل متأسفا على هذا الغياب المفاجئ والذي ترك فراغا كبيرا في حياتهم .
سعدت بهذه الاتصالات ولو كان جلها لطفا و مجاملة.
تعرفت خلال تلك الفترة على جارات طيبات دأبت أحداهن على نصحي وإرشادي لأنال رضا مريم وبذلك الحفاظ على وظيفتي” السامية”ولكن ليس في الوسع إلا ماكان .

لم تعد الفطائر رائجة كما كانت لقد تم فتح محل للحلويات في حينا.
بدأت العطلة تنقضي تعرفت خلالها على البعوض و شيء من البق.
لم تزل العروض كثيرة من لدن جارات مريم حتى يئسن مني خصوصا زينب وأسماء،
واقترب وعد المدرسة وكان معاذ قد اكمل سنته السادسة إذن يجب أن يلج أبوابها فما الحيلة ياترى؟
قررت التضحية من اجل ولدي
فكرت في زيارة إحدى جارات مريم واخترت زينب ذات الستين من عمرها متوسمة فيها الخير والبركة
رحبت بي ايما ترحيب وبعد التحية قلت لها:هاهي ام معاذ قبلت ان تكون خادمة في بيتكم سجدت زينب شكرا لله وقالت كم كنت أتمناك في بيتنا فكم انا محتاجة لك !
ودعتها ووعدتها بالعودة بعد يومين بإذن الله .
أخذني السائق وأنا سعيدة بهذا اللقاء وكأني أرى وراءه فرجا و فتحا قريبا ،
وما إن وصلت البيت حتى بدأ الخوف يتسلل إلي فالبداية لا تكفي كم كانت البداية مع مريم عذبة وبراقة.
وبعد يوم وليلة من التفكير والتردد رن هاتفي : حبيبتي أم معاذ كوني جاهزة سيأتيك السائق صباح الغد قلت لها نعم باردة كبرود “شكرا”من تلك الفتاة الجامعية.
لم انم ليتها خوفا وترقبا!!
وعند الصباح تملكني النعاس..

4/3

ويتواصل حديث صديقتنا قائلة :

كنت أَغط في سبات عميق لم يوقظني سوى شدة الطرق على باب شقتي المتواضعة
كان الطارق سائق السيدة زينب
قلت له : انتظر قليلا
ودخلت في حوار مع نفسي أ أفي بعهدي أم أخلفه ؟
أيدرس مغاذ أم يبقى مهملا في الشارع ؟
صليت ركتعين استخرت ربي ودخلت على جارتي الحبيبة أستشيرها أيدتني رغم مرارة الفراق على حد قولها أخذت شنطتي ومعاذي و تركت لها المفتاح وانطلقت السيارة وضربات القلب تتسارع
نزلت بخطا ثقيلة ، دخلت البهو زغردت البنت الوسطى فرحا بقدومي ورحبت زينب بي ترحيبا حارا كحرارة يوم الغاز المشهود ..
استقبلني سكان المنزل بعبارات أثلجت صدري
خذي راحتك ، كلي واشربي وقري عينا.
وناولتني زينب هاتفها : “خذي كلمي أهلك بسوريا والأردن ” سمعت صوت أمي الحنون الذي لم أسمعه منذ أكثر من شهر بل لم أسمع عنهم عنهم أي خبر كان الله في عونهم.
بدأ الانقباض يسري عني شيئا فشيئاوذهب معاذ يلعب مع حفيدها خالد.
اجتمعت العائلة وحضرت المائدة ،قبلت البنات يدي بأدب جم وكانت المائدة لحما مشويا وأرزا بريانيا أكلت بنهم يتخلله حياء فلقد مللت العدس والدجاج والفاصوليا شربنا شايا منعنعا وعصيرا طازجا .
صلينا الظهر وأخذت السيدة زينب بيدي تطلعني على غرف وأجنحة الدار:
وفتحت بابا على جنب كانت على يميني غرفة صغيرة بها سرير ودولاب وقالت هذا بيت معاذ وهذه ملابس جديدة للمدرسة وملابس مستعملة وألعاب هدية من أخيه خالد وعلي اليسار غرفة متسعة تحوي سريرا ودولابا وسجادة ومصحفا وبعض الاغرض النسائية وقالت هذه غرفتك وبجانب الغرفتين حمام نظيف انعقد لساني وعييت عن الكلام وبادرت التعليق بالدموع!

يتواصل

4/4

تابعت صديقتنا حديثها:

شرعت في مهمتي وشعرت بسعادة وكأني مديرة إحدى الشركات العالمية … وفعلا كنت سيدة البيت ولم تخاطبني زينب يوما إلا ب “يمنتي” والبنات ب ” أمي” كما يناديني ولدي معاذ وحرصت زينب على حضوري المائدة وإن كنت تعودت على الأكل بمفردي.
تمازجنا كتمازج اللبن بالماء وبعد أسبوع تقريبا انطلقت زينب بمعاذ وسجلته بالمدرسة المجاورة ودفعت الرسوم واشترت له الكتب والأدوات المدرسية.
لقد عاملتني أسرة زينب بأخلاق النبوة فلو رجعت سوريا آمنة مطمئنة وطالبتني أسرتي وبما فيها والدي رحمه الله لاخترت أسرة زينب قلقد أغمرتني بإحسانها ومنحتني ‘ شكرا وجزاك الله خيرا ولطفا ووني بيك ويرحم والديك وبارك الله فيك”

ولما تفوقت البنات منحوني وساما مازلت في نشوته .

ولقد اتخذ زوج زينب معاذا ولده وصار يصطحبه للمسجد ويركبه سيارته وربما على ظهره دلالا وتسلية ويتعهد مدرسته ولما نجح متوفقا منحه جائزة كبرى وعمل له عيد ميلاد أدخل عليه السرور والحبور وحضره زملاؤه من سوريين وفلسطينيين.
قاطعتها ماهي علاقتك بجيرانك واسيادك السابقين.
علاقة باردة وربما سألوني عن معاذ مجاملة ما ألفتها.
وأخبرت أنهم أخذوا أكثر من خادمة في فترة قصيرة ولم توافقهم كنت سعيدة الحظ إذ صبروني زهاء سنة.
وبمناسبة شهر رمضان أعفوني من عمل المطبخ وعينوني مشرفة على العمال ومربية للبنات ،
أفهمت حبيبتي علاقتي بهذه الآية الكريمة ؟عندها سألتها:
-ما هو الوسام الذي مازلت في نشوته:

بكت وقالت: وسامي عمرة في رمضان .
فبعد أيام معدودة بحول الله سأكون بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام سأعفر خدي في روضته وسأحرم من حيث أحرم وألبي كما لبى ولم تكمل حديثها بكاء،

المصدر: صفحة الفيسبوك : صفية فتى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق