دين ودنيا

أحق الناس بالقرب من القرآن والعمل به

إخواني! هذا من طريق قربنا، لابد لنا من القرب من القرآن، وأحق من يكون من القرآن قريباً هم طلاب العلم، ولذلك كان طلاب العلم أشبه الناس سمتاً بالعلماء، وأقرب الناس هدياً للعلماء، وإذا رأيت العالم ترى أشبه الناس به طلابه، لماذا؟ لأنهم أقرب الناس من العلم والعمل، وأقرب الناس من أوعية العلم والعمل، ولذلك مثلهم كمثل العين المباركة الطيبة تجدها في الأرض الطيبة أخصب مكان منبعها، فأخصب مكان ينتفع من العين تجده المنبع إذا كانت أرضه طيبة، كذلك طالب العلم إذا كان قريباً من العالم، وعنده قلب وفؤاد صالح، فإنه أسبق الناس تأثراً وعملاً وتأسياً واقتداءً بذلك العالم.

ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون، لما تغيرت أحوال طلاب العلم، وتغير حال كثير من طلاب العلم، جاءت النتيجة بالعكس، حتى والله إنا لنجد من بعض العوام تقديراً وإجلالاً واحتراماً لأهل العلم أكثر مما نجد من طلاب العلم، وهذه والله ثلمة ورزية طلاب العلم إذا أصبحوا أبعد الناس عن التأثر بالعلماء، وأبعد الناس عن العمل بالقرآن، كان علمهم وبالاً عليهم والعياذ بالله، فلذلك ينبغي أن نقف مع أنفسنا، هذا القرآن أحق من يتأثر به، وأحق من ينتفع به هم طلاب العلم، عجباً أن تجد طالب علم له إلمام بمعاني القرآن ومغازيه ومراميه وتفسير آياته، وبيان ما فيها، ومع ذلك تجده بعيداً عن التأثر بالقرآن، هذا من الشقاء والعياذ بالله.

فلذلك إخواني في الله! ينبغي للإنسان إذا كان طالب علم أن يكون أسبق الناس للتأثر بالقرآن، وأئت بطالبي علم أحدهما عظيم التأثر بالقرآن، والآخر قليل التأثر بالقرآن، والله تجد بينهما في الخلق والأدب والقول والعمل كما بين السماء والأرض، تجد هذا لا يتكلم إلا بالقرآن، ولا يعمل إلا بالقرآن، وتجد هذا بينه وبين القرآن غربة لا يعلمها إلا الله.

فلذلك إخواني! أحق من يتأثر بالقرآن هم طلاب العلم، وأحق من يكون قريباً من القرآن هم طلاب العلم، سبحان الله! تجد بعض العوام يتأثر بالقرآن أكثر من تأثر طلاب العلم، وتجد بعض العوام يدمع ويخشع للقرآن أكثر من دمع وخشوع طلاب العلم، هذه والله رزية -يا إخواني في الله- ينبغي على طلاب العلم أن يكونوا قريبين من القرآن.

ولذلك على سبيل المثال مما نجده، وأقرب شاهد من أهم ما اعتنى به -كما ذكر فضيلة شيخنا حفظه الله الشيخسعيد – مسألة تأديب القرآن لأهله، مسألة ترك خصال الجاهلية، من أعظم خصال الجاهلية التي وجدت فيهم في مسائل الاعتقاد -كما بين الشيخ- كذلك أيضاً مسائل الجهر بالسوء، هذا من شأن أهل الجهل والجاهلية.

ولذلك من الجهل والجاهلية أن تجد الإنسان دائماً يلفظ السوء، هذا من دلائل الجهل والجاهلية، فإذا وجدت طالب العلم لا يراقب الله في لسانه، بعيداً عن مراقبة الله في قيله، يسب هذا ويشتم هذا، ما الذي يدل عليه؟ يدل على أنه أبعد الناس من كتاب الله، ولذلك تجد قول الله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء:148] عائشة رضي الله عنها لما قال اليهود: (السام عليك يا رسول الله! قالت: وعليكم السام واللعنة، قال: مه يا عائشة ! إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) وهي ترد مظلمة، يقول لها: إن الله لا يحب الفحش والتفحش، من الذي قاله؟ قاله نبينا صلوات الله وسلامه عليه، لماذا؟ لأن خلقه كان القرآن، يريدها على الكمال، سبحان الله! ترد جاهلية وترد خطأ، يقول لها: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش.

فلذلك إخواني في الله! لابد أن نعيش مع القرآن، وصاحب القرآن إن تكلم تكلم بخير، ووجدت كلامه دائماً إما في ذكر أو شكر، وتجد كذلك أخلاقه وأقواله وأعماله مع القرآن، يحيا مع القرآن، إذا جاءه الأمر سأل نفسه: ما الذي قال القرآن؟ ما الذي يطلب القرآن؟ فيترسم هدي القرآن بألا يقدم على كتاب الله شيئاً.

ولذلك عمر رضي الله عنه لما حصلت له القضية مع ذلك الرجل الذي جهل عليه رضي الله عنه وأرضاه، ونقم عليه أنه لا يعدل بين الرعية، ولا يقسم بالسوية، أراد عمر أن يبطش به، فقال له أحد الصحابة: [يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وإن هذا من الجاهلين] يقول الراوي: فوالله ما إن سمعها عمر حتى سكت، وكان وقافاً عن كتاب الله، عمر معروف بالغضب والبطش، أراد أن يبطش به يتهمه بدينه على أنه لا يعدل، ومع ذلك هم أن يبطش به، لكن كظم ذلك الغيظ من آية واحدة في كتاب الله، يقول: والله ما جاوزها، أي: ما إن سمعها حتى وقف عندها، هذا شأن أهل الإيمان، المؤمن إذا قيل له قال الله؛ أذعن واعترته الذلة لله تبارك وتعالى.

وسبحان من حبب لتلك القلوب كتابه، وأدناها إلى طاعته ومرضاته والعمل بآياته وعظاته، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، نسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن رحمهم وهداهم باتباعه، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب أحزاننا وهمومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا إلى رضوانك وجناتك جنات النعيم إنك ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعلى آله وصحبه.

المصدر :

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق