أنشطة ومقالات

هكذا أحبوا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم / الهادي بن محمد المختار النحوي

محبة النبي صلى الله عليه هي قوت المؤمنين وسلاحهم في رحلتهم الإيمانية وهي الفيصل بين المؤمنين والمنافقين وهي مراقي الدرجات العليا وهي سفينة النجاة وهي التي تفاضل بين الناس فكلما زادت المحبة تهذبت النفس وسمت الروح وارتقت وطهر القلب ورق واستقامت الجوارح واقترب العبد من الله.
وهي ليست مسألة اختيارية أو نافلة من النوافل بل هي واجبة وملازمة لكمال الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم : ((فو الذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)).
وجوب محبته صلى الله عليه وسلم
قال تعالى )) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )) (سورة التوبة.)
قال القاضي عياض معلقا على هذه الآية الكريمة : فكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذ قرع من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى : (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره).
ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله.
فمحبته صلى الله عليه هي التي الفيصل بين الطاعة والفسق وبين الهداية والضلال.
هي حلاوة الإيمان
وجاء في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” .يعلمنا هذا الحديث  أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم دين ندين به ويواكب حبنا لله تعالى ، فلولاه ما عرفنا ربنا .
قال العباس بن عبد المطلب بعد أن استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في مدحه :
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق

محبته صلى الله عليه وسلم زاد إلى الجنة
أخرج البخاري في صحيحه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال متى الساعة يا رسول الله ؟ قال : (( ما أعددت لها؟)) قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله ، قال : (( أنت مع من أحببت))..
ولذلك فهم الصحابة خطر وعظم شأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم فضربوا في ذلك أروع الأمثلة.
مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه
اختص الله سيدنا أبا بكر الصديق بقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو أول من أسلم من الرجال وهو من أنفق ماله في محبة الرسول صلى الله عله وسلم وهو الصاحب في الهجرة وهو الخليفة وهو والد أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنه وما ذلك إلا بسبب صدقه وقوة إيمانه الذي جاء ثمرة لمحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ومن تتبع رحلة الهجرة من أولها إلى آخرها يكتشف مدى حبه رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لكننا سنختار هنا موقفا واحدا من تلك الرحلة العظيمة:
كان الصديق في رحلة الهجرة  يسير مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وتارة خلفه ثم عن يمينه ومرة أخرى عن شماله فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك وأذكر الرصد فأكون أمامك ومرة عن يمينك ومرة عن شمالك ، لا آمن عليك.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني )) قال : نعم والذي بعثك بالحق.
فالصديق هنا يفدي الحبيب المصطفى ببدنه وروحه يتعرض للمخاطر وهي مخاطر داهمة فداء للحبيب لأنه أحبه صلى الله عليه وسلم..

يقول الشيخ إبراهيم نياس :
جمعت – وَجُوداً – هيبةً وجلالا

وأبصرتُ من ذا بهجةً وجمالا
جمالك أنسٌ هيبة ومحبة فأنت أتمّ المرسلين كمالا
وكلّهمُ حاز المكارم والعلا وما كالإمام الهاشميِّ خصالا
محمد يا خير الأنام وسيلتي حباك إلهي ما يفوت مقالا
فأنت وهبت البيض والسّود فانتحى إليك خديم رام منك منالا
وأعنيك خير العالمين وسيلتي منيلي لدى اليوم الرّهيب نوالا
وتيَّمني حبِّيك صرت مجمجما على البرّ والأجوا أروم وصالا
فغادرت أوطاني وأهلي وأسرتي أجوب الفلا لم أشك قطّ كلالا
بكولخ طورا أوبِيُوفٍ ومرّة بباريس دار الفاسقين كُسالا


الآن يا عمر
سيدنا عمر بن الخطاب لا تعد فضائله وخصاله الكريمة فقد تميز بالقوة في الحق والصدق وخدمة الإسلام ومن حرصه على تحري درجة إيمانه ومستوى محبته للنبي صلى الله عله وسلم ، أراد أن يختبر نفسه فقال للرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه : والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه”، فقال عمر فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي،فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم”الآن ياعمر”
بذلك يبن النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وللأمة من بعده أن محبته لا تكون تامة كاملة إلا عندما تكون أكثر من النفس والإنسان يحب نفسه جبلة  ، فلا خيار لنا إذا أردنا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم محبة كاملة إلا إذا أحببناه أكثر من كل شيء حتى من أنفسنا وهذا ما نجح فيه سيدنا عمر بن الخطاب وديدنه النجاح والتميز منذ أسلم وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم

يقول الشيخ الشيخان بن محمد الطلبة
لك الحمد إذْ أرسلت أحمـد رحمــــــــة**إِلَى الْخَلْقِ مُهْدَاةً مَحَوْتَ بِهِ الْـــــــــوِزْرَا
فلولاه لم نسـلك إلى الحـقِّ مسلــــكــاً**وَلَمْ نَجْتَنِبْ نَهْـياً وَلَمْ نَمْتَثِلْ أَمْــــــــرَا
ولكـنّه أبـدى لنا منهـج الهـــــــــــدى **وَأَبْقَـاهُ مَكْـتُوباً لَنَا سُـوَراً تُقْــــــــــرَا
وقد أظهر التوحيـد شَمـسَ ظهيــــرةٍ**وَسَـاقَطَ فِي تَحْقِيـقِ أَلْفَاظِـــــــــــــهِ دُرَّا
دعانا لتوحيـدِ الإلـه بهـديــــــه **فَمَنْ لَمْ يَؤُبْ بِالطََّـوْعِ ذَلَّ لَهُ قَسْــــــــــرَا
ومولـده الميمـون يا نعـم يومــــــــه **وَيَا نِعْمَـهُ عَامـاً وَيَا نِعْمَـهُ شَهْــــــــــرَا
شَـفَتْنَـا به الشِّـفاءُ إذْ هي بشـــــــرت **بمولـده يَا نِعْمَهَـا النِّعْمَـةَ الْكُـــــــــبرى
له قد حمـدنا حـيث سمي أحمـــــــدا **وَتِلْكَ بِحَمْـدِ الله مَحْمَـدَة أُخْـــــــــــــــرى
فيا نِعمَـه نَجْـلاً ويا نِعمَـه أبــــــــــاً **وَيَا نِعْمَـهُ زَوْجـاً وَيَا نِعْمَـهُ صِهْـــــــــــرَا
ويا نِعمَـه عبـداً لمـولاه ســــــــــيداً **عَلَى خَلْقِـهِ لاَ خُلْفَ فِيهِ وَلاَ نُكْـــــــــــــرَا
ويا نِعمَـه حصـناً وكهفاً وملجــــــــاً **وَيَا نِعْمَـهُ جَـبْراًَ لِمَنْ يَشْـتَكِي كَسْـــرَا
ويا نِعْمَـه علمـاً وحلمـاً وحكـــــــــمةً**وَيَا نِعْمَـهُ جُــوداً نَذُمُّ لَهُ الْبَحْــــــــــــرَا
ويا نِعمَـه حُسْـناً ونـوراً وبهجـــــةً **نَذُمُّ لَهُ شَـمسَ الظَّـهِـيرَةِ وَالْبَـــــــدْرَا

أكثر من الماء البارد على الظمأ
ويوضح سيدنا علي بن أبي طالب حبه للنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل : كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ.
إذن كان صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من كل شيء حتى من النفس ومن المال والولد والآباء والأمهات ومن الماء البارد على الظمأ.

يقول الشيخ محمد (الراجل) بن النحوي
فقلت لها المزار به كـفيـل *إذا مـا الله رد إلـى الـديـار
ألا إني بأحمد ذو اشتـيـاق *فلا ريــب لــدي ولا أمـاري
فتى عدنان فخر بني مـعـد * شفيـع الناس مذ حشروا عواري
فما أرض تقل ولا سـمـاء *أظلت مثل أحمد في الـــفخار
حذاري أن تظن لـه نـظيرا *حذاري أن تظن أذا حــذاري
فما ترك البصير لنا مقـالا *لأحمد في الفخار ولا النـــجار
وما نقص البصير من المزايا *كما نقص المخيط من البـحار
ألا إني بمـكة ذو اشـتيـاق *أحج البيت مستلم الحـجــار
وزمزم والمـقـام وكل ركن *أطوف الكل مستلم الســواري
ونرجو بالرسول وصـاحـبيه *ومن سكن المدينة بـالـــجوار

ما أنا بالذي أختار عليك أحدا
ذهب حارثة ابن شراحيل مع شقيقه كعب لفداء ابنهما زيد وقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل:هو في المسجد فدخلا عليه فقال: يابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه قال: “ومن هو”قالوا: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” فهلا غير ذلك “! قالوا: وما هو قال: ” ادعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا “. قال: قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه فقال: ” هل تعرف هؤلاء ” قال: نعم. قال: من هذا قال: هذا أبي. وهذا عمي. قال: ” فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما “. قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم. فقال: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك!
قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: “يا من حضر. اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه”. فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرف. ودعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام ونزلت الآية الكريمة: ” ادعوهم لآبائهم “.
فالصورة هنا واضحة ، الأب جاء يبحث عن ابنه وذلك حقه، واستخدم عبارات لطيفة أثنى فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى قومه وذكرهم ببعض خصالهم الكريمة والمخاطب عليه الصلاة والسلام عرف بالصدق والأمانة والعدل فأحال الأمر إلى زيد ليختار فجاء رده حاسما وعن وعي كامل فقد عرف أباه وعمه لكنه اختار البقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم لما عرف فيه من خصال وشمائل كريمة.
يقول الشيخ عبد الله بن بيه :
ها مولدُ المختارِ حَانَ طُلوعُهُ**ذا فجرُهُ الميمونُ آنَ سطوعُهُ
فتلألأتْ أنوارُهُ وتدفَقتْ**بِشرَاً وبُشرىْ فالزمانُ ربيعُهُ
إن غابَ عَنا ذاتُهُ فصفاتُهُ**تُتلىْ فيدنو للنفوسِ شُسوعُهُ
بادرْ إلى ذِكرى الحَبيبِ بذكرِهِ**تلكَ المساجدُ والقبابُ ربوعُهُ
واسكُبْ مدامعَ مُهجةٍ مُشتاقَةٍ**فأقَلُ ما يُهديْ المُحبُ دُموعُه
لا تَقنعنْ بإشارةٍ وإشادةٍ**خيرُ القناعةِ للمحبِ قُنوعُهُ
واذكُرْ محاسِنَ ليلةٍ لا يَنقضيْ**إحسانُها أفرادُهُ وجُموعُهُ
مِنها استعارَ الليلُ بدرَ سمائِهِ**ما كُلُّ ليلٍ تستهِلُّ شموعُهُ!
والمِسكُ منها نَشرَهُ وأريجَهُ**منها يَفوحُ صُوارُه وسطُوعُهُ
سيدنا بلال يفرح بالموت
عندما احتضر سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه قالت امرأته: واحزناه فقال: (بل وا طرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه) ،فسيدنا بلال تحولت الموت عنده إلى محطة طرب وفرح لأنه موعد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
يقول الشيخ إبراهيم نياس :

طبيبي قريبٌ هل سقاميَ تسمعُ يقابلني يومي المقفّى المشفّعُ
أراني إذا ما جئت يوما محمّدا تحقّقُ آمالي كما أتوقّعُ
محمّد خير العالمين وسيلتي أتاك خديمٌ ضارعٌ يتشفّعُ
أتيتُ بِصِنوي ثمّ أهلي وإلْدتي سراعاً وحول الهاشِمي نتجمَّعُ
وخلفي جُموعٌ ينتمون لحِزبكم يعُمُّهم التّشْفيع أجمعُ أكْتعُ
أيا نفسُ أدْركتِ الأَماني فهذهِ مرابِعُ خيرِ النّاسِ والنُّور يسْطَعُ
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ونلتِ المنى ما بالُ عينِكِ تدْمعُ
وما بالُ هذا الشّْوقِ والشّملُ جامعٌ وذا الحبلُ موصولٌ فما الوصلُ يُمنعُ


أعز من كل الثروة
لما هم صهيب رضي الله عنه بالهجرة أعاقه الكافرون، فسبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، وحين استطاع الانطلاق في الصحراء، أدركه قناصة قريش، فصاح فيهم : “يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجل، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي، حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا إن شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني”..
فقبل المشركون المال وتركوه قائلين: أتيتنا صعلوكًا فقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك. فدلهم على ماله وانطلق إلى المدينة، فأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء، ولم يكد يراه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ناداه متهللاً: “ربح البيع أبا يحيى.. ربح البيع أبا يحيى”، فقال: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحدٌ، وما أخبرك إلا جبريل..
ففي سبيل محبة النبي صلى الله عليه وسلم يهون المال وتهون الدنيا كلها ، عمل صهيب لسنوات وكد وتعب ليحصل على المال والمال تحبه النفس فهو شقيقها وقد يجد صهيب عذرا ويبحث عن حيلة يداري بها القوم أو يؤجل رحلة الهجرة ليحافظ على ماله لكن مبتغاه أعظم من مال الدنيا كلها ولذلك فاز فوزا عظيما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ربح البيع أبا يحيى وجاء الفوز وساما وتشريفا لسيدنا صهيب حددته الآية الكريمة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}
يقول الشيخ محمد الحافظ النحوي :
ألا يا رسول الله يا بهجة الورى    ويا طلعة الأكوان معنى ومظهرا
ويا رحمة الباري لسائر خلقه       ويا خير موجود بدى وتسترا
ويا مصطفى الرحمن في كل عالم    ويا ظافرا بالحمد اسما ومصدرا
ويا أحمد الهادي إلى خير ملة     وناصر دين الله بالحق في الورى
ويا مجمع الأوصاف والآي جملة    علوت لسر في جمالك مضمرا
فكنت حبيبا والعوالم لم تكن        وكنت مرادا لإله مكبرا
كما كنت في محراب قدسك ساجدا   تراقب كنه الذات عنها معبرا

كل مصيبة بعدك جلل
الأب هو السبب في الوجود وفضائله كثيرة من تربية ورعاية وتوجيه وإصلاح والزوج هو الشريك وهو الظل أما الأخ فهو جزء من الذات  ، هؤلاء يأتون في أعلى مراتب الحب عند الإنسان جبلة وعرفانا بجميلهم وبمعروفهم أو بالحاجة إليهم ، لكن رغم ذلك هناك من هو أحب وأعز منهم كما جسدت ذلك هذه الصحابية الجليلة ، فلما نعوا إليها زوجها وأخاها وأباها في معركة أحد قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين قالت : أرنيه حتى أنظر إليه ، فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل ، تريد صغيرة وبسيطة .
هكذا هانت على هذه المرأة مصيبتها المضاعفة ، بعد أن اطمأنت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم تكتف بما بلغت به حتى نظرت إليه صلى الله عليه وسلم ..
لا شوكة تؤذيه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة وهي بين عسفان ومكة  حاصرهم القوم فقتلوا قائد السرية ونزل ثلاثة منهم بعد أن أعطوهم الأمان وكان منهم خبيب فذهبوا به ليقتلوه  فقال له أبو سفيان: أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال لا والله ما يسرني إني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه.
فخبيب مقبل على الموت غدرا لكنه أوصل رسالة إلى من غدر به بأنه محب للنبي صلى الله عليه وسلم  وأن الذي يهمه أن لا تصيب النبي صلى الله عليه وسلم شوكة تؤذيه.

عطر أم سليم
عن أنس رضي الله عنه: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عندها (أي من القيلولة) فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب “. رواه مسلم .

حنين الجزع
عن ابن عمر : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع ، فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فمسحه أخرجه البخاري.
وحتى الجزع لم يرض بفراق الحبيب صلى الله عليه وسلم لأنه أحبه وألفه ..
يقول الشيخ محمد الحافظ بن السالك بن الطلبة :
الحمد لله بان البين والبعـــــــــــــــــــد و انجزتك الأماني ما به تعــــــــــــــد
هذي قباء وذا سلع لناظـــــــــــــــره يبدو وذاك حبيب المصطفى أحد
و هذه الدار هذي دار هجرتـــــــه مغناه مثواه هذا الطيب البـــــــــــلد
فانظر ولا تعد عينا هل ترى أثـــــرا بحيث كانت تناخ الناقة الأجــــــد
وحيث تقبل يحدوها من أ نجشــه و الكون زهر ابتسام بلبل غـــــــرد
فالثم ثرى من هنا أو هاهنا فعسى أم من هنا كانت أو من هاهنا تخـد
وحيث يعفور يمضي من هنا وهنا فتمتلي بالسنى و بالشذى الصعد
وحيث يهبط حيزوم براكـبــــــــــه جبريل أيام من رب الورى يفـــــــــــد
أيام حبل السما بالأرض متصــــــل أمرا ونهيا وغيث الوحي مطــــرد
إذ الزمان ربيع والحيـاة مـــــــــــــنى والأرض روض وأيام الصفا جــدد

هذه صور من محبة الصحابة رضوان الله عليهم له صلى الله عليه وسلم ،أحبوه أكثر من أنفسهم وأموالهم وأولادهم وآبائهم وأمهاتهم ومن الماء البارد على الظمأ تنازلوا عن أموالهم وغادروا الوطن محبة له صلى الله عليه وسلم وأحبوا الموت لأنه موعد لقائهم به صلى الله عليه وسلم واتخذوا من عرقه طيبا كل ذلك لأنهم أحبوه واتخذوا من محبته عملا وزادا إلى الجنة.
يقول الشيخ الخليل النحوي
كل المدائح إن تخطئه خاطئة *** والشعر في الغير شعر غير ملتزم
فإن تك شيمة غراء في بشر *** أو شيمتان ففيه مجمع الشيم
تفرق المدح ما شاء اللسان له *** فادع الرسول لشمل المدح يلتئم
واذكر إذا فاح من زهر الرياض شذى *** ندى العيون وسيب العارض الهزم
واذكر فواضلها والشمس مطرقة *** إذا زها البدر في سوداء كالفحم
يا عطر كل شذى يا ماء كل ندى *** يا نور يا نور في روض وفي غسم
يا فخر كل مديح خطه قلم *** حتى يجف مداد القول في القلم
أنت المداد الذي يجري اليراع به *** إلى قصي من الأسرار مكتتم
أنت الكلام إذا ما فاض سلسله *** حتى يغيض معين القول والكلم
أنت الخواطر مهما حلقت صعدا *** ظلت تتوق إلى سام من القمم
هيهات هيهات يربو الفكر في هرم *** إذا سمى الفكر كان السفح للهرم
هيهات هيهات تغشى العين لؤلؤة *** أصدافها حجب الأنوار لا الظلم
ولا مناخ لركب ما معرسهم *** إلا مواصلة الإرقال بالخذم
أيا شفيع الورى كن لي هدى وندى *** ورحمة أبدا يا رحمة الأمم
ويا نبي الهدى كن لي فإنك لي *** كهف الأمان إذا حامى الوطيس حمي
لي نجأة ومن الإملاق مسألـــة *** فردها بالذي يربو على اللقم
أذنبت بالحب من بعدٍ ولي أمل *** فإن تقرب وتأذن سيدي أقم
علقت قلبي على علاته سببا *** من فيض نورك من يعلق به يهم
أُشربت حبك شهدا فاسقني فأنا *** ريان منه على أني إليه ظمي
لو كنت أشربه راحا معتقة *** أو كنت أقطفه تمرا بلا عجم
لما اكتفيت وإن أطعمته نفسا *** ولا ارتويت وإن أشربت منه دمي

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفيعنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق