وضع المحرم للكمامة | الشيخ محمد بن بتار بن الطلبة
ستر المحرم لوجهه كله يحرم على المرأة بلا خلاف، إلا أن تريد بذلك الستر عن أعين الناس فإنه يجوز لها أن تستره بأن تسدل على وجهها رداء ولا تربطه ولا تغرزه بإبرة فإن سترت وجهها، أو بعضه لغير ستر أو لستر وغرزت أو ربطت أو سترته لحر أو برد لزمتها الفدية ؛ قال الشيخ خليل في المختصر : “حرم بالإحرام على امرأة لبس قفاز ، وستر وجه إلا لستر بلا غرز وربط”
أما الرجل المحرم فالمشهور في مذهب الإمام مالك-وهو مذهب الإمام أبي حنيفة- أنه يحرم عليه تغطية وجهه كله؛ قال الشيخ خليل في المختصر: “وعلى الرجل محيط بعضو وإن بنسج، أو زر، أو عقد وستر وجه، أو رأس بما يعد ساترا كطين”.
وقال ابن الحاجب في مختصره إن المشهور في الرجل المحرم أنه لا يحرم عليه ستر وجهه ؛ ونصه : ” ويحرم على الرجل أن يغطي رأسه – لا وجهه على المشهور- بما يعد ساترا”
قال الشيخ خليل في التوضيح : ولم أدر من أين شهَّره.هـ
وقال القاضي أبو الحسن ابن القصار : إنما ذلك مكروه وليس بحرام.هـ
ومشهور المذهب المالكي هو قول ابن عمر ؛ ودليله ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم: “اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثيابه، ولا تخمروا وجهه، ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة يلبي”.
ومذهب الإمام الشافعي وأصح الروايتين في مذهب الإمام أحمد أن الرجل المحرم لا يحرم عليه تغطية وجهه.
قال النووي في المجموع : مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه ولا فدية عليه وبه قال جمهور العلماء.
وقال الماوردي في الحاوي : مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ” ولا يغطي المحرم رأسه ، وله أن يغطي وجهه ” . فعليه كشف رأسه إجماعا ، وليس عليه كشف وجهه عند الشافعي ، وهو في الصحابة قول عثمان وعبد الرحمن ، وسعد بن أبي وقاص ، وزيد بن ثابت ، وجابر ، وابن الزبير.
واحتج بأنه إجماع من الصحابة ؛ لأنه مروي عمن ذكر منهم ، وليس يعرف لهم مخالف ، وما حكي عن ابن عمر ، فليس مخالفا لهم : لأن عنده أن ما فوق الذقن من الرأس فهو إنما أوجب كشفه لوجوب كشف الرأس.
ونحوه لابن قدامة في المغني محتجا للرواية الأصح في المذهب الحنبلي.
أما تغطية المحرم لبعض الوجه ففيها قولان في المذهب المالكي مفهومان من المدونة ؛ ففي الحج الأول منها : ويكره للمحرم أن يغطي ما فوق ذقنه، فإن فعل فلا شيء عليه، لما جاء فيه عن عثمان أنه غطى بعض وجهه ما دون عينيه وتطاول.
وفي الحج الثالث منها لا بأس بتغطية الذقن للرجل والمرأة.
قال الزرقاني في شرح المختصر : (وستر وجه) جميعه لا ستر بعضه فلا يحرم ولا فدية إلا لانتفاع به هـ وسكت عنه البناني.
إلا أن الزرقاني جزم في المرأة بمنع ستر بعض وجهها، ولم يسلم له البناني الفرق بينها وبين الرجل في ذلك، واستدل بكلام الشيخ خليل وابن عبد السلام في شرح مختصر ابن الحاجب.
وما استدل به في المدونة مما جاء عن عثمان رضي الله عنه هو ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم.هـ
قال الباجي في شرحه : قوله “رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم” يحتمل أن يكون فعل ذلك رضي الله عنه لحاجته إليه ويحتمل أن يكون فعله؛ لأنه رآه مباحا ، وقد خالفه ابن عمر وغيره فقالوا : لا يجوز للمحرم تغطيته وإلى ذلك ذهب مالك وإنما ذكر فعل عثمان بن عفان وذكر الخلاف عليه ليكون للمجتهد طريق إلى الاجتهاد بظهور الخلاف إليه ووقوفه عليه.
وقال القاضي أبو الحسن : إنما ذلك مكروه وليس بحرام وحكى القاضي أبو محمد لمتأخري أصحابنا في ذلك قولين : الكراهية والتحريم.هـ
وقال ابن عبد السلام في شرح جامع الأمهات : لكن الإمام -يعني مالكا- حمل فعل عثمان على الاختيار، ولم يتأوله لكثرة القائلين به، أجاز ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وسعد، وجابر، وهو مذهب الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور في طائفة أخرى من التابعين وغيرهم.هـ
قال الباجي في المنتقى: فإن غطى المحرم وجهه فهل عليه فدية أم لا ؟ قال ابن القاسم لم أسمع من مالك في ذلك شيئا، وأرى أن لا فدية عليه وبهذا قال القاضي أبو الحسن.
وقال القاضي أبو محمد في شرح الرسالة : في قول ابن القاسم نظر ، وقال في غيرها : من متأخري أصحابنا من قال هو على روايتي التحريم والكراهة ، قال : وتحصيل المذهب أننا إن قلنا بتحريم التغطية فعليه الفدية وإن قلنا بكراهيتها دون التحريم فلا فدية فيه.هـ