أدب وثقافةالرئيسيةتدويناتتراجمتراجم وأنسابعن برينة

القاضي محمد عبدالرحمن بن السالك (النّح)

هو محمد عبدالرحمن بن السالك بن باب بن أحمد بيب بن عثمان بن سيدي محمد بن عبد الرحمن بن الطالب محم العلوي، يقول العلامة محنض باب بن اعبيد الديماني:

فجدّهم أستاذ تاشمش كلَّهمْ … قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا
فحَقَّ علينا نصرهـم واحترامهم. وتوقيرهم مـا أنبتت تربةٌ زرعا
كان أبوه القاضي السالك بن باب بن أحمد بيب قاضي الزوايا بلا مناع يرجع إليه في المشكلات، وكان الحي من العلويون ينتقلون بين “لعگل” وآتكوروحافة بحيرة اركيز، يقول العلامة محمد فال بن باب:
ألا ليت شعري هل لي الدهر عودة :: لحي لدى البطحاء أو ربوة الصدر
فيوم بجنب الواد بعض وبعضهم:: بجنبة إحدى السدرأو جنب ذي السدر
أقاموا بها حتى إذا انسلخ الشتا :: توقوا سموم الغيظ في حافة النهر
في سنة 1301 هـ – 1883م رزق القاضي السالك بن باب، بابنه محمد عبد الرحمن الملقب(النَّح).
حفظ النح القرآن الكريم ودرس علوم الشريعة واللغة على والده القاضي السالك وعلى واسطة عقد العلماء المجلى العلامة محمد الأمين ولد بدي الملقب (حمّيينْ)، الذي قرأ عليه جزءًا من ألفية ابن مالك، كما درس على علماء آخرين، ولزم عمه شيخ العارفين وقطب العلماء العلامة الشيخ محمد فال بن باب “اباه” الذي صنع على عينه فجاء أعجوبة الدهر.
وكان ماكان مما لست أذكره :: فظن خيرا وتسأل عن الخبر
كان (النح) شيخًا لمحظرة كبيرة، وتتلمذ عليه كثيرون، و مارس القضاء والإفتاء والتأليف، وله فتاوى عديدة، ومؤلفات منها:
– عون المحتسب فيما يُعتمَد من كُتُب المذهَب
– جلاء الشك والريب فيما يثبت به النكاح ويلحق النسب
– تسديد الرواد
– كشف القناع عن مسائل الرضاع
– نشر العرف في إثبات الشروط بالعرف
– رفع الشوائب عن بيع الغائب
– توجيه النظر إلى قسمة ما لا ينقسم إلا بضرر
– وسائل المقاصد على نفائس المراصد
– الآذان فيما يسن للجمعة من أذان
– ترصيع اللآل في مناقب شيخنا محمد فال بن باب.
– أدلة التعريف بما نشأ في الدين من تصحيف وتحريف
وهو كتاب يتناول عشرين سؤالا وجهها إليه العلامة الشيخ أحمدُّ بن أبي بكر بن فتى الشقروي، وقد أتت على مختلف الفنون فقها وأصولا وتصوفا، وتم التعرض فيها لإشكاليات معاصرة كالصلاة في الطائرة والاجتهاد في الأمور المعاصرة وغير ذلك.

وكانت للنح مكتبة عامرة بالكتب النفيسة والنادرة حبّسها على طلبة العلم من ضمنها نسخة نادرة من كتاب “التنبيهات المستنبطة على كتاب المدونة، والمختلطة، وتفسير مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف روايتها، واصلاح الغلط الواقع من بعض روايتها” لصاحب الشفا القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي.
أصيب القاضي النح بالصمم حدثا، لكنه كان متمتعا ببصره؛ فكان يطالع ويكتب في غالب أوقاته وكان الناس يكتبون له في الأوراق والهواء وفي يده ما أرادوا أن يسألوه عنه أو يخبروه به فيفهمه بسرعة فائقة، وربما كتبوا له في الظلام في يده بأصابعهم فيفهم ويجيب، ويتعجب الناس من ذلك، وكان يمتاز بجودة الفهم وقوة الذاكرة ودقة العزو إلى الكتب.
عقد الرئيس المختار ولد داده أول مؤتمر للقضاة في المنتبذ القصي سنة 1963 وقام وزير العدل الحضرامي ولد خطري بدعوة جميع علماء وقضاة البلد فكان من جملة من حضر العلامة القاضي محمذن ولد محمد فال (اميي) والعلامة القاضي الشيخ أحمد أبو المعالي ولد الشيخ الحضرامي والعلامة القاضي الشيخ المحفوظ ولد بيّه والعلامة المؤرخ المختار ولدحامد و العلامة القاضي محمد عبد الرحمن (النح) وغيرهم من أعلام البلد ..
حدثني الإداري المخضرم الثقة أحمد ولد ابّا ولد امين الفاضلي قال: في هذا الاجتماع كان القاضي (النح) ظاهرة بهرت جميع العلماء وما فتئ العلامة القاضي الشيخ المحفوظ ولد بيّه يكرر طوال أيام المؤتمر: ” هذا الأطرش عجيب .. هذا الأطرش ماهُ عادي ”
وكان القاضي (اميي) يسلم أي حكم حكم به (النح) ويقول: “اروايَ اكتبها ذاك الأطرش وافي عنها لكلام .
وذات درس في مسجد العلامة إنّ ولد الصفي الفودي التندغي رحمه الله في دار النعيم عزا العلامة إنّ قولا للعلامة النح فسأله أحد طلابه : النح منهو؟
فتغير وجهه وغضب وكان قليل الغضب وعنف الطالب تعنيفا شديدا لجهله علما من أعلام البلد والمذهب بحجم القاضي (النح) .
كان العلامة القاضي النح شاعرا مطبوعا ومن شعره
يا ميُّ إن يمـنعِ الـواشـون وَصلَكُمُ :: حيرانَ لـيس له فـي غـيرِكُم أملُ
ولا سعَتْ بـيـننـا كُتْبٌ لـتُنْبِئَكم :: عـنّا وتُنـبِئَنا عـنكم ولا رُسُل
لـم يمـنعـوا خطراتٍ طالما خَطرَتْ :: منكم على القـلب حـيـن القلب مُشـتغِل
ولا دمـوعًا أفـاضَتْهـنَّ فُرْقتُكـم :: ولا شهـابٌ هـوَى فـي القـلـب يشـتعـل
وله:
أودى زمـانٌ بـالخلـيفةِ مُسعـدُ :: هـيـهـات يُمكـن للقـلوبِ تجلُّدُ
نـبأٌ تأوَّبَنـا فبِتُّ كأنما:: جَذْل الغَضَى بـيـن الجـوانح يُوقـد
عجـبًا لمـن يرجـو سُلُوّاً بعـدَه :: ولـمـن يحـاول ضِلَّةً لا تنفَد
أبَنـي عـلـيٍّ لا تضلَّ حـلـومُكـم :: إن الـمـنـونَ لكل حيٍّ مَرْصد
لـم لا يكـون الـحَيْنُ يُمْنًا عـندكم :: أوَ لـم يكـن أودَى النـبـيُّ مُحمَّد
أو لـم يكـنْ أودَى الـذيـن تخلَّفوا :: مـن بعـدِه حتى كأنْ لم يُعهَدوا
لا تحسَبـوا أن القُصـور عـن المدى :: يُردي ولا أن الكـمالَ يُخلِّد
لا تجحَدوا نعـمَ الإلهِ عـلـيكمُ :: بـمُصـابِ مَنْ نَعْماؤُه لا تُجحَد
إن الـمصـيبةَ لا يُعـظَّمُ قَدْرهـا :: والصـبرُ فـي صنْعِ الـمُهـيـمِنِ أحمَد
لكـنَّمـا هـذا مـصـابٌ صبرُهُ :: لا يستقـيـمُ عـليه صخرٌ جلْمَد
مـا ضـاع أجـرٌ للـذي أجفانُه :: تبكـي عـلـيـه وقـلـبُه يـتبلَّد
فـي حقِّ ذاك الرِّزءِ قلَّتْ عبرةٌ :: مـنـا تفـيضُ وزفرةٌ تتـردَّد
إن الـذي فـاه النعـيُّ لنا به :: أذْكى شِهـابًا فـي الحشا لا يَخمَد
فلـوَ انّه ألقَى عـلى لُبنانَ ما :: ألْقَى عـلى قـلـبـي هوَى يَتهَدَّد
فتبَيَّنـوا مـا قـلـتـمُ فلئِن يكنْ :: أودى فقـد أودى الـتُّقَى والسُّؤْدُد
غابت بـه أيـدي الـمـنـايا بـيـننا :: كـالـبـدر يأفلُ والكواكبُ رُكَّد
شـيـخٌ يـديـنُ لكل عـافٍ مُرْملٍ ::ولقـد يـديـنُ له الـمـليكُ الأصْيَد
هـادٍ إلى الهـادي الأمـيـنِ وإنه :: فـي مـلَّةِ الـديـنِ الـحنـيف مُجـدِّد
عـن أحـمدٍ ورثَ الخلافةَ مـثلَ ما :: ورث الخلافةَ عـن أبـيـه أحمد
زاد الـمـريـدَ إعانةً وهدايةً :: إذ قـلَّ مَنْ فـي الـحـالتَيْن يُزوِّد
فغدتْ حـبـالُ وصـولِهـا مـرمومةً :: وغصـونُهـا فـيـنانةً تتأوَّد
مـا زال يسعى فـي الـمحـامِدِ يافعًا :: حتى تألَّفَ شمـلُهـا الـمُتبدِّد
وله:
نزلتم بخير يوم خير ببكرا :: فنلتم به فوق السماكين مفخرا
ولم تنزلوا إلاّ بعال من العلا :: ليظهر ما من مجدكم كان مضمرا
وللقاضي (النّح) مساجلة شعرية مع العلامة محمد ولد الداه ولد أحمد فال العلوي في موضوع “الفتيل” وهو الشاي الأخضر و” النقير” وهو الشاي الأحمر.
يقول محمد ولد الداه:
صروف الحادثات بلا نكير:: تدار على الفتى بيدي مدير
فآونة تدير له كؤوسا :: كشوب الماء بالعنب العصير
وتسقيه أوانا كل كأس :: كطعم الشري ممزوجا بقير
كذا عيش الفتى ما دام حيا :: دوائر بالحلُوِ وبالمرير
شربنا بالدباغ وما دبغنا :: به شيئا سوى حاج يسير
وكاف شرابها لم يغن شيئا :: فلا في العير عُد ولا النفير
عسى زمن الفتيل يعود يوما :: كأيام الخورنق والسدير

ويقول النح:
عليكم ما استطعتم بالنقير :: ولا شرب المزفَت والنقير
فتفضيل الفتيل على النقير :: كتفضيل الفتيل على النقير
وإن يُدر النقير كريم قوم :: عليهم فالمدار على المدير
وكم ضم الفتيل له كبُر :: يضم إذا يزكىَ للشعير
وكم ذهب الأسى عمن تعاطى :: كؤوسا منه كالذهب النثير
إذا دبت حميا كأسه في :: مفاصله مشى فوق الأمير

ويقول (النح) مرحبا بالعلامة القاضي محمذن ولد محمد فال (اميي)
يا حاكمَ الشريعة المُرتضى :: و سيفها الصَّمصامة المُنتضَى
و درعها التي بها يُتقي :: و شمعها الذي به يُستضى
و فارسَ القضا إذا شمَّرت :: عن ساقها الفهومُ و ابنَ القضا
أهلا بما جاوزتَ من بلدةٍ :: تطوي لكَ الرِّكابُ نشرَ الفضا
فلم تزل على العُلا مُقبِلاً :: و لم تزل عن الخنا مُعرضا

امتازالقاضي العلامة (النح) بسعة اطلاعه وضبطه في العزو وتنبيهه على محال غرائب الكتب وغرائب ما فيها، ولا سيما كتب المالكية.
طالع (النح) موسوعة الونشريسي (المعيار) حرفا حرفا ونبه على ما وقع فيها من أخطاء.
ولشدة تمكنه من معرفة الكتب، فقد تمكن من تعيين بعض الكتب كان المختصون يحارون في معرفتها كما حصل له مع كتابيْ مالك زمانه الإمام العلامة الفقيه أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني: “مختصر المدونة و”النوادر والزيادات”، حيث كان الناس يظنون المختصر هو عين النوادر، يقول النح:
“والمختصر هنا منه جزء أتى به اباه من عند الشيخ سيديا، وكان غير معروف، وكانوا يظنونه النوادر، وأنا هو الذي عرفته، ولم أره قط قبل ذلك، غير أني أعرف النوادر”
كما أنه كان يعرف الكتب الوجودة بالمنتبذ القصي، وبعدد ما تحويه مكتبته العامرة، ومظان غير الموجودة في مكتبته؛ حيث أشار في كتابه “عون المحتسب فيما يُعتمَد من كُتُب المذهَب” إلى عدة مكتبات كمكتبة أهل الشيخ سيديا ومكتبة أهل العاقل ومكتبة بعض أبناء أحمد بن يوسف ومكتبة سكيرج وغيرهم، وكان يحدث بإحصاءات دقيقة عن أجزاء الكتب وتفرقها في البلاد، وعن ما لم يدخل البلاد من الكتب، كما تحدث عن خطاطي النسخ التي وقف عليها ووصف حالها من القدم والضياع.

قال عنه المؤلف محمد خير رمضان يوسف في تتمة الأعلام للزكلي:
النح محمد عبد الرحمن بن السالك العلوي..
علامة، قاض، شاعر. اسمه الكامل: النح محمد عبد الرحمن بن السالك بن بابا بن أحمد بيبه العلوي.
له عدة مؤلفات منها عون المحتسب

وقال عنه المؤلف يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي في نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر:
اسمه الكامل: النح محمد عبد الرحمن بن السالك بن بابا بن أحمد بيبه العلوي، من بيت علم وقضاء وأدب وتصوف في موريتانيا، له عدة مؤلفات منها عون المحتسب فيما يعتمد عليه من كتب المذهب.
وروى الشيخ محمد الحسن بن احمدو الخديم أن محمد سالم بن ألما قال: إن (النح) هو أفقه من دخل البلاد، وقد روى أحد الثقات من قضاة الحوض الغربي، وقد حضر مؤتمر العلماء سنة 1963م، أنه انعقد شبه اجماعهم على أن محمد عبد الرحمن بن السالك هو أفقه من دخل البلاد.
ولما وصل كتاب النح المسمى :” تسديد الرواد ” للعلامة المختار بن ابلول الحاجي؛ كتب في آخر ورقة: ” إمام الوقت والمرجع في النوازل” ثم أنشد فيه أبيات حسان بن ثابت التي مدح بها حبر الأمة عبد الله بن عباس، وهي :
إذا قال لم يترك مقالا لقائل :: بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع :: لذي إربة في القول جدا ولا هزلا
ونختم بتعليق للعلامة الشيخ اباه بن عبد الله، حفظه الله على كتاب “عون المحتسب فيما يعتمد عليه من كتب المذهب” وهو شرح القاضي محمد عبد الرحمن (النح) لمنظومة القاضي محمد بن محمذ فال التندغي الأربعيني، في ذكر الكتب المعتمدة في المذهب المالكي، يقول العلامة الشيخ اباه:
“ليس العجب من إملاء هذه البحوث التاريخية لعلماء مذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله تعالى من عالم متبحر في فروع هذا المذهب ورجاله بلا مدافع مثل محمد عبد الرحمن رحمه الله تعالى، إنما العجب من الظروف التي أملى فيها ، وذلك أن المؤلف أصيب بالصمم منذ خمسين سنة قبل وفاته ، لكنه كان متمتعا ببصره ؛ فكان يطالع ويكتب في غالب أوقاته وكان الناس يكتبون له في الأوراق والهواء وفي يده ما أرادوا أن يسألوه عنه أو يخبروه به فيفهمه بسرعة فائقة، وربما كتبوا له في الظلام في يده بأصابعهم فيفهم ويجيب ، ويتعجب الناس من ذلك، لكنه ضعف بصره في سنواته الأخيرة فصار لا يطالع ولا يكتب ، وإنما يكتب له في الرمل بأصبع غليظة.
ولما أتاه هذا النظم من العالم المتفنن الأجل القاضي محمد بن محمذ فال رحمه الله، صار يُكتب له في الرمل البيت منه، فإذا فهم مقتضاه أملى عليه ما اختزنته ذاكرته، وربما أحال كُتابه على مواضع من كتب يذكر لهم مداركها بالتدقيق، حتى كمل الإملاء من غير أن يستطيع أن يقرأه لضعف بصره أو يُقرأ عليه لصممه القديم.
وقد يظهر لمُطالعه أثر اختزان الذاكرة مع تقدم السن إذ كانت هذه الإملاءات في العام الذي قبل وفاته وهو إذ ذاك ابن سبع وتسعين سنة -ورب ضارة نافعة- فصار أشبه بخزانة إفادة ومجلس محاضرة ومذاكرة، تجد فيه فوائد وغرائب لا تكاد تجدها في غيره”.
توفي (النح) رحمه الله سنة 1399 هـ – 1978 م عن ثمان وتسعين سنة ودفن بالمليحة بالنباغية سقت قبره شآبيب الرحمة:
حول المليحة خيم واغدونّ ورُح :: ثم اغدونّ ورُح ثم اغدونْ ورح ِ
يقول العلامة نافع بن حبيب بن الزايد التندغي الفودي في نظمه لوفيات الأعيان:
وعند رأس العام الآخر قضى :: شيخ الشيوخ العلوي المرتضى
حافظ مذهب الإمام مالك :: أعني به العلامة ابن السالك

كامل الود

المدون اكس ول اگرگ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق