الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

من أدبيَّات المراكب / ذ. السيد أحمدو الطلبة

 

لا منَّةَ أعظمُ على العربيِّ مِنْ مِنَّةِ مركبِه الذي يطوي به بُعْد الشُّقَّةِ للأحباب، ويصل به إلى مواقع القطر وصنائع الأجواد، ولذلك كان موضوعُ المطايا في شعر العرب بحرا لا ساحل له تطفَح به المدوَّنات الأدبيَّة، فلا نريد أن نَدخل منه في حديث طويل مُعاد، وإنما نعرض في هذه القُصاصة نماذج من أدبيَّات مراكب العصر …

فمن أدب الطائرات ما جرى بين الشيخين محمد سالم ولد عدود وحمدا ولد التاه حيث أنشأ حمدا أبياتا في رحلة جوية جمعتهما واستجاز الشيخ عدود في آخر شطر فأتم له ..

قال حمدا:

وقفت بين سائح وسياسي

ترشد الناس في خفيف اللباس .

 

وركبنا، وقد بدت كلمات

لا تدخن” و “اربط حزام الكراسي” .

 

وأشارت أن المقاعد تحوي

سترة للنجاة عند الإياس .

 

ووجمنا، وفي القلوب رجاء

والتفات لخالق الأجناس .

 

ونزلنا، فودعتها عيون

قطع الله وصلها بالمواسي .

 

ليت هذي الفتاة كانت تراعي

 

وسكت الشيخ حمدا طالبا من الشيخ محمد سالم أن يجيز، فأجاز قائلا:

حرمة الشرع، أو شعور الناس .

 

فقال له حمدا: قد كنت جعلتك على مفترق طرق، لو قلت “حرمة الشرع” فقط كنت فقيها غير أديب، ولو قلت “شعور الناس” فقط كنت أديبا غير فقيه ..

ومن أدب الطائرات أيضا لجمال ابن الحسن رحمه الله يصف رحلة من باريس أفضت به إلى بغداد الرشيد وربوع الخلافة الإسلامية في تركيا:

إن تغد من باريس جافلة بنا

تطوي الفضاء، كأنها طيف سرى .

 

وتنخ بإصطمبول حيث تلفعت

من صفو صحو أصيل شمس مئزرا .

 

وتبت ببغداد الرشيد، لقد طوت

في يومها عند التأمل أعصرا .

 

طافت بكل منار عز شامخ

طال الزمان، وبذ أجيال الورى .

 

وسرير مملكة، ودار خلافة

ومنيف عمران، وملك أكبرا .

 

لكنما تلك الديار وأهلها

ولَشَرُّ ما يُتلى الحديث المفترى .

 

تفدي _ وقلَّت في الفداء لأهلها _

دارا لنا أقوت، وربعا أقفرا .

 

بالجانب الغربي من تنيخلف

حيث استكف بذلك الغاب العرا .

 

ومن أدب الطائرات أيضا قول المختار ولد حامد في وصف الطائرة ودوِيِّ محركاتها:

خفَقانُ قلب العاشق الولهان

ما منذ آنٍ تسمَعُ الأذنان ؟

 

أم ذاك زلزال بعيد موذن

بالخسف في ناء من البلدان .

 

أم ذاك زأر الأُسْد في أجَماتها

أم ذاك صوت تأجُّج النيران .

 

أم طائر طار الغداة، تعلمت

منه الطياير حكمة الطيران ….

 

وعلى البساط الأرضيِّ نجِدُ للسيارات نصيبا أوفر من الأدب مدْحا وقدْحا، فقَبْلَ ما يَربو على نصف قرن ذكر الشاعر العلوي محمد عبد الله ولد ففا “ابوه” أنه سالَمَ هذا النوع من المراكب لأنه شفع فيه عنده ركوب شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم له:

وتاتُ سالمتها، والسلمُ يصحبها

لما رأيتُ أبا إسحاق يركبها .

 

لا أنسَ لا أنسَ كفا لي أشار بها

بذلُ الدراهم للعافين مطلبُها .

 

ونفهم من هذا أنه كانت بينه مع السيارات جفوة ومناكرة، وهو كذلك فقد كان يهجو السيارات ويشتكي من دُوارها ومتاعبها:

حذار من الركوب على الوتات

…….

 

ويوذي الراكبين بها دخان

ويوشك أن تعوِّق في الفلاة .

 

ويهجوها في أبيات أخرى يقول فيها:

ترى الشيخ الكبير على عفاف

تزاحمه عجائز كالسعالي .

 

وللعلامة محمد عبد الرحمن ابن السالك في سيارة يبدو أنها لم ترُقْه ولا سائقُها الذي لا نعرف عنه غيرَ اسمه الوارد في الأبيات:

دعوا السير في سيارة الحاج ترشدوا

ففي غيرها منها غنى، وهو أسعد .

 

ولا تسمعوا ما قال سُوَّاسُها لكم

فكم منهمُ للناس أخلف موعد .

 

فإياكمُ إياكمُ أن يغرَّكم

إذا ما أتوكم ضِحكُهم والتودد .

 

ففي طي ذاك الضحك منهم خديعة

وما كان منهم عن مقاصدهم دَدُ .

 

فإن طلبوكم سالموكم وليَّنوا

وإن طالبوكم حاربوكم وشدَّدوا .

 

فأرجو لها بعدي الفساد، أوَ انَّه

سيرجع فيها خائبا، وهو مفرَد .

 

على أنني والحمد لله رَدَّ ما

تَعاظمَني منها البشيرُ محمَّدُ .

 

في أبيات أخرى يصف طيَّ السيارة للمسافات الفسيحة، فيقول:

تخط خطوطا في الفلا أعجمية

فيدنو بها قطر، وينأى بها قطر .

 

ونتذكر من أدب السيارات أبياتَ المختار ولد حامد في شركة النقل الفرنسية التي كانت تنقل الركّاب والبضائع في موريتانيا والسينغال قبل الاستقلال، واسمها المتداول عند أهل ذلك الزمن “لَكُمْ”، وأصل الكلمة lacombe وهو علَم على مالك الشركة التي اختفت بُعَيْد الاستقلال، وأطلالُها اليوم قرب المطار في العاصمة لا مخبرَ بها ولا مستخبرَ عنها:

يُريكمُ إن كنتمُ تعقِلونْ …. آياتِه، فأيَّها تُنكِرونْ .

قد سخَّر البحرَ وفُلْكا به …. تُنجيكمُ إذا به تُبْحِرونْ .

وسخر الأنعام مِلْكا لكم …. منها رَكوبكُم وما تاكلونْ .

وهو الذي سخر لطفا بكم …. “لكم” لكم لعلكم تشكرونْ .

 

ومن أدب السيارات لجمال رحمه الله:

غاليةً شريتَها // ومكرَها أتيتَها .

فراجعنَّ كل يو // مٍ ماءَها وزيتَها .

وراقبنَّ الله في //  خطا بها مشيتَها .

واذكر ليال بالحمى // مسرعةً قضيتَها .

يا ليتها عائدة // ياليتها، يا ليتها .

 

ومن ظريف أدبيات السيارات أبيات للأستاذ محمد بتار جاءت عفو الخاطر يصف بها رحلة في سيارة كان يقودها ضمن قافلة تشييع لجنازة:

ركبت يوما “كُرُلا” // أسوقها سَوقَ المُجِدّْ .

يوم ثماني عشرةٍ // من المحرَّم تُعَدّْ .

أتبع نعش عمتي // فازت برحمة الأحدْ .

ولم أُدَوْبِل أحدا // ولم يُدَوبلني أحدْ .

 

وفي ختام هذا الحديث أُعَرِّج على مراكب الأصدقاء معتذرا عن التطويل وعن خلط جيد بغيره ..

فللكاتب أبيات في مدح صديق ملاطف سخَّرَ له سيارته عند الحاجة في عاصمة تفرض ظروفُها على كل نزيل أن يملك سيارة لا يُعذَر في شأنها بالعجز، وبما أن هذا الممدوح “المجازيَّ” لا يَرى في الثناء عليه باسا ولا يقبضه المدحُ لكونه ليس موسوما بالزهد فلا حرج علينا من طَرَفه في نشرها:

بفِجاج عاصمة البلاد مَرادُ

فيه الجيوب تَكِلُّ، والأجسادُ .

 

من لم يَقُدْ في طرقه سيارة

نهِلَتْ من “البنزين”، سوف يُقاد .

 

ستقوده “التكْصاتُ” نحو مجاهل

وتَسُوده في ركبها أوغاد .

 

أما أنا في طُرْقه ما ضرَّني

أن لم يكن ليَ مركب يُعتاد .

 

فرَكوبُ أحمد نجل يعلى مركب

ليَ لا يَنِدُّ، وزادُه ليَ زادُ .

 

لا زال بالله الغنيِّ له الغنى

يعطى مناه موفرا، ويُزاد .

 

نعم الفتى وكلت له الإشرافَ من

أولاد وارث أحمدٍ أولادُ” .

 

شيخ إذا جلس الشيوخ منجَّذٌ

وفتى إذا جلس الفُتوُّجواد .

 

فطِنٌ يصيد بعقله من خلِّه

ما شاء من خبر، وليس يُصاد .

 

وله الخلافة عن أبيه وجده

لو لم يَحُزْها قبله “حمَّادُ” .

 

وللكاتب أيضا في الدعاء لصديق آخر اشترى بالدَّيْن سيارة فارهة من طراز “v8” ، وكان ذلك في ظرف زمنيٍّ خاص، فكان الدعاء بالغ الأهمية من أوله إلى آخره:

ربِّ يسِّرْ لصاحبي وخليلي

كل صعب من الأمور جليل .

 

قد ألمَّتْ به ديون أهمَّتْ

من شراء “الفَوِيتِ” قبل قليل .

 

ربِّ جُدْ بالقضاء في الوقت قِسْطا

بعد قسطٍ، وامدُدْهُ بالتسهيل .

 

وله جد مدى الحياة برزق

فيه باركتَ ربِّ بالتحليل .

 

وهذا ما حضرني من أدب المراكب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق