إصدارات

نشر كتاب نزهة المستمع واللافظ في مناقب الشيخ محمد الحافظ خدمة جلية للتراث

نشرت جمعية شنقيط لخدمة العلم وإحياء التراث سنة 1433ه (2012م) كتاب “نزهة المستمع واللافظ في مناقب الشيخ محمد الحافظ ” لمؤلفه العلامة محمدي بن سيدينا العلوي الملقب (بدي) المتوفى سنة 1264ه”.
هذا الكتاب الذي وصفه مؤلفه بأنه “كتاب أدب لمن شاءه كتاب أدب وكتاب تصوف لمن شاءه كتاب تصوف”؛ يستعرض –كما يدل على ذلك عنوانه- جزءا من سيرة حياة ومناقب الشيخ محمد الحافظ بن المختار بن حبيب العلوي المتوفى سنة 1247ه أول من نشر الطريقة التجانية في شنقيط وغرب إفريقيا..
ولا يستمد هذا الكتاب أهميته من مكانة شخصية الشيخ محمد الحافظ العلوي في المشهد التجاني بهذه المنطقة فحسب بل وكذلك من أهمية مؤلفه العلامة محمدي بن سيدينا وعلاقته بصاحب السيرة إذ هو مريده وأول خليفة له.. وهو  المدافع عن الطريقة التجانية حتى لقب “بحسان الطريقة”..
وعلى الرغم من أن  الكتاب لم يكتمل كما أراد له المؤلف، وهو لغز محير، إلا أن ما وجد منه يبرز غزارة علم الرجلين ومكانتهما المتميزة بين علماء شنقيط في القرن الثالث عشر الهجري.
هذا الكتاب الواقع في (182) صفحة من الحجم المتوسط، ظهر بإخراج جيد بتنسيق وتصميم وطباعة مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث.. وقد حققه السيد محمد ولد محمد المختار بن بدي في نطاق رسالة جامعية على ما يبدو وراجع هذا التحقيق وضبطه وصححه السيد محمد ولد بتار ولد الطلبة رئيس جمعية شنقيط لخدمة العلم وإحياء التراث، ويفهم من مقدمة الناشر أن تمويل طباعة هذا الكتاب قام به الدكتور محمد عبد الرحمن ولد الطلبة وسعادة السفير محمد ولد الطلبة، بإسهام من السيد أحمد بدي بن يحظيه.
مناقب الأولياء
بعد كلمة الناشر ومقدمة المحقق ووصف الكتاب، نجد سيرة للمؤلف العلامة محمدي بن سيدينا الملقب (بدي) توفي 1264ه، استحوذت على 18 صفحة من هذا الكتاب ثم يأتي النص محققا..
يبدأ المؤلف بمقدمة في مناقب الأولياء ومعنى الولاية احتوت 35 صفحة، ويورد بعد ذلك فصلا في فضيلة ذكر الأولياء ونشر محاسنهم (8 صفحات)..
وإن محور الكتاب هو بابه الأول الذي لم يكتمل وعنوانه: التعريف بالشيخ وأشياخه ورحلته في طلب العلم وحجه..
يتناول المؤلف ترجمة مفصلة للشيخ محمد الحافظ (ت 1247هـ)، يقدم لها بأنقال المشايخ والعلماء لتبرير ذكر محاسن السادة المشايخ وإفراد الكتب لذكر مناقبهم.
ويأتي بنسب العلويين مفصلا وأقوال العلماء في ذلك ، قبل أن يقدم شذرات من حياة الوالد المباشر للشيخ محمد الحافظ ووالدته وبعض أجدادهما وكذلك أخوة الشيخ الأربعة.. ويفرد ترجمة “لربع عزة” منهم وهو العلامة: سعيد بن المختار المدفون قرب نواكشوط وهو صاحب المقبرة المعروفة حاليا “بمقبرة سعيد”..
وفي معرض حديثه عن رحلة الشيخ محمد الحافظ لطلب العلم، يورد أنه حفظ القرءان وهو ابن سبع إلا انه تفرغ لخدمة جدته إلى ان توفيت رحمها الله انتقل إلى عشيرته ويقول المؤلف: “ووجد أقرانه قد سبقوه للتعلم بمدة مديدة وسنين عديدة، فزاحمهم بهمة تفلق الصخر وتشرب البحر وتريد أن تقضي ما فاتها من معالي الأمور وتدرك بروحتها أهل البكور والجواد ذو السبق يلحق، فخلَّف أهل زمانه ثانيا من عنانه”..
أول من قرأ عليه الشيخ محمد الحافظ من الأشياخ هو العلامة سيدي عبد الله بن أحمدان (ت 1230ه)، ثم العلامة حرمه ولد عبد الجليل (ت 1243ه)، ثم العلامة سيدي عبد الله (سيدينا) بن سيدي أحمد بن محم (والد المؤلف) (ت 1242ه) ويورد نبذا عن حياة كل واحد من هؤلاء.
ويورد كذلك من أشياخه العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم (ت 1233ه)، الذي صحبه فترة وأعجبه جداً ويقول المؤلف إن الشيخ محمد الحافظ كان يقول: “ما بعد شيخي سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه من أشياخي مثل سيدي عبد الله”… وقال إنه سأله مرة: سيدي عبد الله شيخ تربيه لكم وسيدي أحمد التجاني شيخ ترقية لكم؟ فسكت عني، فعلمت أن الأمر كذلك..
ويبدو أن الشيخ محمد الحافظ خدم هذا الشيخ كثيرا ويقول المؤلف في هذا السياق “وسمعت شيخنا رضي الله عنه يقول فعلنا من خدمة الاشياخ ما لم نفعل من التعلم، ولسنا ناسف على ذلك يعني أنهم حمدوا عاقبة تلك الخدمة”..
وكان خاتمة أشياخه الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه يقول المؤلف: “ثم ارتحل شيخنا رضي الله عنه بنية الحج من تكانت فلما وصل إلى فاس قادته العناية الربانية والقسمة الأزلية إلى قطب الأولياء وختم الأصفياء صاحب السر المصون والعلم المكنون العالم الرباني والعارف الصمداني سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأوانا ومأواه فصحبه وأخذ عنه فكان وارث سره وحامل نوره”..
ويقول المؤلف ضمن استعراضه لسيرة الشيخ سيدي أحمد التجاني: “ومناقب هذا الشيخ لا تحصى ومآثره لا تستقصى لا يدري واصفه والمعرف به ما يقول:
تكاثرت الظباء على خداش **** فما يدري خداش ما يصيد
إني لا استوفي ما لسيدنا وشيخنا ومولانا أحمد التجاني رضي الله عنه من المآثر والآيات والمقامات والكرامات أبد الآبدين ودهر الداهرين لأني كلما تذكرت فضيلة وجدت فضائل أخرى وكلما تذكرت آية رأيت أكبر من أختها إلى هلم جرا”..
ويورد العلامة محمدي (بدي) بن سيدينا شذرات من حياة الشيخ التجاني يركز فيها على سعة علمه ناقلا عن جواهر المعاني أنه “كان لا يتكلم في علم إلا قال السامع إنه لا يحسن غيره، لقد زاد على جميع الفقهاء زيادة لا يمكن وصفها من حل المشكلات وما يعرض من الشبه المعضلات”..
ويضيف: “قال لي شيخنا (يعني الشيخ محمد الحافظ): ومن عجيب أمره (يعني الشيخ التجاني) أني حضرته املاءاته لكتاب جواهر المعاني على تلميذه الحاج احرازم وكان معروفا بسرعة الخط وهو يكتب والشيخ يملي عليه من غير مطالعة ولا نظر ولا يقف قلم الحاج احرازم”.
المحتويات الأصلية للكتاب
انتهى ما عثر عليه من هذا الكتاب بما أشرنا إليه من سيرة الشيخ التجاني التي يبدو أنها لم تكتمل كما أراد لها المؤلف بدليل أنه يورد فيها عبارة “كما ستقف عليه إن شاء الله في محله”.. أي أن المؤلف أراد هذه السيرة مفصلة والكتاب موسعاً بدليل ما أورد في التقديم من أنه وضع التأليف على:
مقدمة في مناقب الأولياء جملة وفضلية ذكرهم ونشر محاسنهم وفيها فصلان
الباب الأول في التعريف بالشيخ وأشياخه ورحلته في طلب العلم وحجه وفيه فصلان.
والباب الثاني في علمه ومعرفته وطريقته وجمل من أخلاقه وسيرته وفيه خمسة فصول.
والباب الثالث في أمداحه ومراثيه.
وما عثر عليه من هذا الكتاب هو المقدمة وجزء من الفصل الأول من الباب الأول فقط.
وقد حاول المحقق نشر ما يفترض أنه جزء من هذا الكتاب على شكل مختلف يحوي مدائح ومراثي الشيخ محمد الحافظ:
قصيدة للمؤلف بدي بن سيدينا في مدح الشيخ محمد الحافظ
قصيدة ابن بن محمود في مدح الشيخ محمد الحافظ.
منظومة فتى بن سيدينا في رثاء الشيخ محمد الحافظ.
قصيدة المؤلف في رثاء الشيخ محمد الحافظ.
قصيدة أحمد بن حمى الله التيشتبيتي في رثاء الشيخ محمد الحافظ.من هو المؤلف ؟
العلامة محمدي (بدي) بن سيدي عبد الله (سيدينا) ولد في مطلع القرن الثالث عشر وتوفي سنة 1264ه ودفن بمقبرة لميلحة الشهيرة الواقعة قرب قرية النباغية حالياً..
هو محمدي بن سيدي عبد الله بن ألفغ سيد أحمد بن محم بن القاضي المعروف بقاضي لبراكنه واسمه سيدي عبد الله بن الطالب أبيجه العلوي..
وهذا القاضي هو الذي يقول فيه العلامة محنض بابه في قصيدته التي يخاطب بها حرمه بن عبد الجليل:
دع المدح يغدو في مسارحه يرعى **** ولا ترعه إلا كلا طيب المـــرعـى
فعمم في ايدوعــــل وخصصن **** بني شيخنا قاضي القضاة تجد مرعـى
فجدهم أستاذ تاشمــــش كلهم **** قد ارتضعوا من علمه الخلف والضرعا
نشأ العلامة محمدي تقياً نقياً مهذب الأخلاق عالي الهمة مقبلاً على الدرس والتحصيل مشغوفا بالعلم ومجتهداً في عبادة ربه وترعرع في بحبوحة العلم والفضل والدين في أسرة من أعرق اسر العلويين تسلسل العلم في أفرادها تسلسلاً قل نظيره..
أخذ العلم عن والده (سيدينا) وكذلك عن العلامة حرمه بن عبد الجليل والعلامة سيدي بن احمدان.. وكانت بحوزته مكتبة أسرة آل سيدينا الضخمة التي قدرت بحوالي ألف كتاب من أنفس الكتب.
يعتبر هذا العلامة محدثا ومفسراً وفقيها كبيراً وأصوليا متكلما ولغويا أديبا وصوفيا خبيرا بأمراض القلوب وعللها.. يميل إلى التبصر ويقدم العمل بالكتاب والسنة على غيرهما اقتداء بمشايخه (خاصة الشيخ محمد الحافظ والشيخ التجاني) اللذين يقول عنهما في إحدى قصائده أنهما يقدمان الأدلة الشرعية على غيرها من أقاويل الفقهاء العارية من الدليل.
أخذ بدي الطريقة التجانية وهو في العشرين من عمره على يد الشيخ محمد الحافظ الذي أجازه وأطلق له الإذن وعهد إليه بتربية المريدين، وقصر شعره على الإشادة بالطريقة التجانية ومدح مشايخها والتصدي للمنكرين عليها فاشتهر لدى العامة بلقب “حسان الطريقة”..
وقد أجمع النقاد على أنه كان في طليعة فحول الشعراء المجيدين وشهد له بذلك أهل الخبرة في الشعر من معاصريه وغيرهم.. ويقول عنه العلامة اباه بن عبد الله: “إن شعر بدي اجتمعت فيه خلال قل أن تجتمع لدى شاعر وهي الجودة والصدق والنور”..
ويكاد شعره يكون مقصورا على الوعظ والإرشاد والدلالة على الله والدفاع عن الحق..
أثنى عليه العلماء لما تميز به من علم وفضل وصلاح ومآثر خالدة يقول عنه القاضي المؤرخ بابه بن أحمد بيب العلوي:
شهادة لم أكن يوما لأكتمــها **** بالحق بين يدي ربي أؤديها
ما كان في آل يحيى مثلـه وله**** مآثر صالحات لست أحصيها
يعتقد بعض الباحثين أن العلامة بدي بن سيدينا لم يخلف من الآثار العلمية ما يناسب جلالة قدره ونباهة ذكره في العلم ولعل مرجع ذلك اشتغاله بالعبادة والانقطاع إلى الله تعالى وإرشاد الخلق..
ومن آثاره:
كشف الغشا في فضل تأخير العشا (محقق في رسالة جامعية)
نفحة المنان في تأييد اعتقاد الاخوان
النصرة في تأييد أهل الحضرة
الرسائل والأجوبة التيشيتيه
المدائح النبوية المعروفة بتهنئة الربيع
الدرع الدلاص في التوسل بسور القرءان الكريم
نزهة المستمع واللافظ في مناقب الشيخ محمد الحافظ (مطبوع)
إن تحقيق ما وجد من هذا الكتاب النفيس ونشره يعد خدمة جلية لتراثنا الوطني ومساهمة في نشر سيرة السلف الصالح وتقربا لأولياء الله الهداة المهديين.
عرض محمد الحافظ بن محم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق