الشعر موهبة يمنحها الله لبعض عباده، شعور، وتعبير، ونفس، وذاكرة أيام، وسجل وقائع، وللشعر منته على الشاعر الذي يجد منه نجيا لا يضيق صدره بنفثاته، ولا يفشي من سره إلا ما أذن في إفشائه..
ولم يكن الشعر في أوج ازدهاره ونفاق سلعته إلا صفة من جملة الأوصاف الإيجابية التي يحسن أن يتحلى بها الفتى العربي، تذكر كتب الأدب أن أحد الأمراء قال لابنه في سياق النصح : يا بني إن الشعر أدون حالات السري وأرفع حالات الدني، وقد قال الشاعر المفلق أبو تمام في حق الشعر :
لا تحسبن الشعر كل فضيلة / ما الشعر إلا فتنة وخبال .
الهجو قذف، والرثاء نياحة / والعتب ضغن، والمديح سؤال .
وإن كان أبو تمام بالغ في اهتضام الشعر الذي لولاه لم يعرفه أحد ..
كما أدار أحدهم ظهره للشعر لما قلت بواعثه :
قالوا تركت الشعر ? قلت ضرورة !! / باب البواعث والدواعي مغلق .
خلت البلاد، فلا كريم يرتجى / منه النوال، ولا مليح يعشق .
ومشت الشفعاء بين المختار ولد حامد وبنات فكره بعد جفوة ومناكرة: ..
مشت بيني وبين الشعر هندي / وهندي أملح الشفعاء عندي .
أجدك قد هجرت الشعر ? قالت / فقلت لها هجرت الشعر، جدي ..!
كانت القرائح صقيلة والأذواق سليمة والدعوى بعيدة، واليوم سيل القرائح يتدفق من كل صوب وتطم به الأودية وليس فيه ما يرد البصر إلا القليل النزر، ( اللهم حوالينا ولا علينا ) ..
ومع ذلك للشعر إمارته ودولته، وبلاد المليون شاعر يبايع شعراؤها المغمورون طوعا وكرها أمراء للشعر لا يصلحون طلبة عندهم، يستوون على العرش لتنقلب الموازين ويصبح الرأس ذنبا والذنب رأسا .. وترى هؤلاء المتشاعرين يكتبون عن أنفسهم ويخلعون على مقاماتهم الشعرية من الأوصاف ما لا تستحق معشاره، وحبذا لو سمع هؤلاء قول القائل :
وما الشعر عند العرب إلا قريحة / تروض أبيات المعاني وتقسر .
وإن جاءها من رامها متشاعرا / ليقتادها تابى عليه وتعسر .
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن / على كل من قد رامها تتييسر .
فمن حاول التهذيب أتعب نفسه / وخلى عن السفساف، فالحسن أحمر ..
عفوا، هذه خواطر جمح بها القلم في ليلة من ليالي الأرق ..
منقول من صفحة السيد ولد الطلبة على الوتساب
