الرسائل / ذ. السيد أحمدو الطلبة
تخيرت من نعمان عود أراكة / لهند، ولكن من يبلغه هندا ?
عندما تتقطع وسائل الوصال لا يبقى إلا المراسلات، فمنهم من يرسل بالسلام مع كلمات قليلة ترمز لسر ما، فيتعلل بذلك ويستروح:
ألكني إليها بالسلام، فإنه
يشهر إلمامي بها وينكر .
بآية ما قالت غداة لقيتها
بمدفع ركبان أهذا المشهر .
ومنهم من يرسل بالسلام إلى مناهل الحي، مستسقيا لظلالها متلهفا على برد مائها: (وما حب الديار…)
اقرأ على الوشل السلام، وقل له
كل المشارب مذ هجرت ذميم .
سقيا لظلك بالأصائل والضحى
ولبرد مائك، والمياه حميم .
لو كنت أملك منع مائك لم يذق
ما في قلاتك ما حييت لئيم .
ومن الرسل التي تسعى بينهم طرف العين الذي يرجع من وجهته حسيرا، يحمل لصاحبه عناء لا منتهى له:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا
لعينك يوما أتعبتك المناظر .
رأيت الذي لا كله أنت قادر
عليه، ولا عن بعضه أنت صابر .
ولما تعذر على بعضهم إرسال طرفه اكتفى بإرسال عبرته واستعان بطرف صاحبه:
يا صاحبي هذا العقيق، فقف به
متوالها إن كنت لست بواله .
وانظره عني، إن طرفي عاقني
إرسال دمع العين عن إرساله .
ومن رقيق الرسائل تحايا لسان ابن الخطيب التي حملها الشمس بعدما أخذت تهوي في رحلة الغروب، ثم وقف صباحا يترصدها في شروقها مرتقبا منها أن تحمل له رد التحية بأحسن:
يكلف قرص البدر حمل تحية
إذا ما هوى، والشمس حين تغيب .
لترجع من تلك المعالم غدوة
وقد ذاع من رد التحية طيب .
ويستودع الريح الشمال شمائلا
من الحب لم يعلم بهن رقيب .
وهذا الأسلوب يذكر بالتحية التي يرسلونها عبر النسيم عندما يتعذر من الرسل من يحملها:
على الوضح الذي شرق المقيم
تحية حافظ العهد القديم .
يبلغها له الماشي، وإلا
يبلغها له نفس النسيم .
أما الشريف الرضي فكانت له رسائل خاصة لا تقبل حاملا غيره، ولا يمكن أن تصل إلا في غيبة الرقيب:
عندي رسائل شوق، لست أذكرها
لولا الرقيب لقد بلغتها فاك .
وربما أصيب حامل هذه الرسائل في مقاتله من حيث لا يحتسب:
كم رسول أرسلته لأبيها
ذبحته تحت النقاب العيون .
ومن لطيف تلك الرسائل رسالة ابن أحمد يوره التي لم تعبر إلا عن النزر اليسير:
وكم كتبنا إليه في مراسلة
ما لفظه ضيق عن حمل معناه .
وما كتمناه مما لا نبوح به
أضعاف أضعاف ما كنا كتبناه .
ومن شعر الرسائل رسالة طويلة ممتعة بعثها العلامة عبد السلام ابن حرمة إلى بعض رفقاء أيام الطلب، أولها:
أيا مزمع الترحال فوق ذمول
جمالية طلق اليدين ذلول .
بربك لا تبخل بما هو هين
عليك، وفيه مبتغاي وسولي .
ودس إلى مستودع السر منهم
حديثا غريب الشكل غير فضول .
بأن كان مني أن ركبت غدية ..الخ
وبعضهم تلقى رسائل من أحبته، فكان أسعد القوم حالا:
يا أخت سعد جئتني برسالة
من عندهم، أديتها بتلطف .
فعلمت ما لم تعلمي، وسمعت ما
لم تسمعي، وعرفت ما لم تعرفي .
وآخر يقول:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة
إلي، فهلا نفس ليلى شفيعها .
أأكرم من ليلى علي فتبتغي
به الجاه، أم كنت امرأ لا أطيعها .