قامة كبيرة تغيب
فجر يوم أمس، صعدت إلى الرفيق الأعلى روح قامة علمية واجتماعية من العيار الثقيل ليس على مستوى منطقة اركيز وآل شمس الدين الأفاضل فحسب بل على مستوى بلدنا ككل
إنه العالم العامل والإمام القدوة التقي و الأستاذ المربي ذو الفضل والمجد التليدين طينا وكسبا ووهبا المغفور له بإذن الله محمد الأمين ولد الداه، فغياب هذا النوع من الرجال ، ليس مجرد مصيبة عائلة أو مجتمع أو جهة جغرافية بذاتها بل هو بالإضافة لما تقدم ثلمة في الدين، يستشعر كل مسلم ألفه أو سمع عنه، حرقتها، وتشهد على ذلك أقوال وفعال الرجل الباقية، رغم غياب صورته.
إنه رجل نادر لم يضيع لحظة من ثمانية عقود ونيف في غير ما خلق له، عاش عمره طاعة لخالقه، وبذله في التقوى وخدمة الملة والدين، فقد كان الجد والاجتهاد سمتين مألوفتين معروفتين له منذ نعومة أظافره، فلم يثنه انتسابه لبيت علم وصلاح من أعرق بيوتات البلد عن التمرغ سنين طويلة في مرابع ومضارب آل يحظيه ولد عبد الودود في منطقة ” لبيرات” متجشما الغربة إيمانا منه لأهمية الاغتراب طلبا للعلم، بين ركب منتظم من أشراف جيله يُبين لهم شيخ تلك المحظرة ووارث مؤسسها: العلامة التاه ولد يحظيه رحمه الله دين الله تبيانا لينهل من معين علوم محظرية عمادها الفقه واللغة وغيرهما من علوم عصره فترع من صافيها الزلال ولم يكتف من العلوم بمنقولها ومعقولها، بل تاقت نفسه إلى صنف منها لا يكتب في الأوراق ولا ينظر بالأحداق، فكان أن صادف زمانه طلوع شمس ضحى فيضة شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم انياس فاحتسى من كاسات معارفه المترعة ، ولم يزل يتدرج بين مقامات الإسلام والإيمان والإحسان حتى بلغ من الهامات أسماها، هذا على مستوى الأخذ، أما على مستوى العطاء فحدث ولا حرج، فقد ألقى الفقيد رحمه الله عصا الترحال عندما تأسست مدينة اركيز بشكلها الحالي، وهي مرحلة كانت في أحوج ما تكون فيها لإمام وخطيب لجامعها ومدرس لمحظرتها، وهي المهمات التي تولاها العلامة محمد الأمين ولد الداه رحمه الله طيلة ما يزيد على ثلاثة عقود، فتحمل تلك الأمانة بكل جدارة وإتقان فكان بحق مثالا في السمت والخلق الرفيع والقرب من الجميع والتودد للبعيد كالقريب، والحضور الفعال في جميع مواقف النبل والسؤدد،
إن هذا لمصاب جلل ورزء كبير، لكن حمدا لله على نعمة الإيمان، فحق لهذه الربوع وجميع ساكنتها، وليس البيت العائلي فقط للشيخ أو المحيط الاجتماعي الضيق له، أن تنهمر دموعهم اليوم جراء هذا القضاء المحتوم، جعل الله من العقب بنبن وبنات خير سلف لخير خلف، وهو ما سيتحقق بإذن الله.
فكلما توراى منهم سيد قام سيد، فهذا وافر العزاء لنا جميعا وبنفسي أبدأ وإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله بدء ومختما .
أحمد سالم ولد أحمد
