دبا .. سحر الطبيعة وعبق التاريخ / حماد أحمد
سحرتني المنطقة الشرقية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بمروجها الخلابة الآسرة، إنها منتجع سياحي بامتياز ، لما حباها الله به من جمال الطبيعة ، خصوصا في فصل الشتاء، حيث الطقس الجميل على السلاسل الجبلية الممتدة بين الحدود الإماراتية العمانية، وحتى مدينة “بندرعباس” الإيرانية، على ضفاف الخليج العربي.
جمالُ المنطقة الباهر حوًلها إلى قبلة سياحية يرتادها طالبو الراحة والاستجمام، أما عن الخيرات والثمار فحدٍث ولاحرج. ففيها تعانق أشجار البرتقال والليمون واحات النخيل الغناء، مشكلة لوحةً خضراء تسلبُ الألباب …
كانت الدعوة الكريمة من صديق إماراتي لزيارة المنطقة والتعرف عليها عن قرب ، ففي هذه المنطقة الواقعة بين إمارتي الشارقة والفجيرة، مع حدود سلطنة عمان، وبالذات في مدينة تاريخية تُسمى “دبا” داخل عمان ، تلمس دفء الطبيعة حيث يلتقي الخليج والمحيط الهندي ” بحر العرب ” وفي هذا المكان الجميل تستنشق عبق التاريخ ، حيثُ الشواهدُ على إحدى أهم معارك حروب الردة على الإطلاق، معركة مفصلية في تثبيت أركان الإسلام في هذه الأرض إلى يومنا هذا.
ففي “دبا” واجه جيش المسلمين الذي أرسله الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بقيادة حذيفة بن محصن الغلفاني، جيش المرتدين بقيادة لقيط بن مالك الأزدي، واستشهد الكثير من المسلمين، وقتل لَقيط ، ليأخذ القائد المسلم المظفر، عرفجة بن هرمثة الأسرى والغنائم إلى الخليفة أبي بكر رضي الله عنه في المدينة المنورة، ويتولى حُذيفة أمر المسلمين في عمان بعد هزيمة المرتدين إلى غير رجعة، ولتتوحد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام، وتتفرغ لفتوحات قادمة ضد الروم والفرس.
يُضيفُ دليلي ، وهو يمشى بين رياض الشهداء: في هذه المنطقة عسكر جيش المسلمين ، بينما كان جيش المرتدين وراء تلك الهضبة المقابلة ، ولقد رويتُ هذه التفاصيل عن آبائي. كنت أتابع حديثه بشغفٍ كبيرٍ، وهو يسكب كؤوس القهوة، والبسمة لا تفارق مُحيًاه، كان السؤال الذي يدور بخلدي هو كيف لهؤلاء الصحابة رضوان الله عنهم أن يغزوا من هذه المسافة ، رغم وعورة الطريق ومشقتها الآن، فكيف بها في تلك الحقبة؟ وكان الجوابُ يزاحمُ السؤال، لقد أقدموا على هذه المخاطرة لإعلاء كلمة لاإله إلا الله محمد رسول الله ، وقاتلوا من منع إعطاء عقال كان يؤديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، امتثالا لأمر خليفته رضي الله عنه وعنهم أجمعين .