أسلوب المعاوضة / ذ. السيد أحمدو الطلبة
طرق المحبون كل باب من أبواب التعبير، واستغلوا كل فن من أساليب الكلام ليعبروا عن مواجد باطنة عجزت اللغة عن توصيلها، فلم تشف عباراتها ولم تكف إشاراتها ..
ومن تلك الأساليب المتنوعة أسلوب “المعاوضة” البيع والشراء ..الخ
من رقيق شعر تلك الصفقات صفقة عرضها أحد المكلومين بالهوى، مستبعدا وجود من يقبلها:
ولي كبد مقروحة من يبيعني / بها كبدا ليست بذات قروح .
أبى الناس ويب الناس لا يشترونها / ومن يشتري ذا علة بصحيح ?
وبذلت إحدى “العاشقات” في حالة نادرة في الشعر العربي الأصيل وشاحها ودملجها لتحظى بنظرة خاطفة من سعيد ابن الأسود:
ألا ليتني أشري وشاحي ودملجي / بنظرة عين من سعيد ابن الاسود .
وكل ذلك قليل بالنسبة لمن عرض منهم نفسه ثمنا لوقفة لا يجد في متاع الدنيا الفانية ما يساويها:
أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة / كلوث إزار أو كحل عقال .
فكم ثم لي من وقفة لو شريتها / بنفسي لم أغبن فكيف بمالي .
ولقد بذل سلطان العاشقين روحه مقابل بشارة القدوم، ومع ذلك استقل الثمن واعتبر أنه لم ينصف البائع:
لو أن روحي في يدي، وبذلتها / لمبشري بقدومكم لم أنصف .
ومن رقيق ما ورد في المعاوضات قول أحد الشعراء متلهفا على ما وقع من غبن في “البيعة المكية” :
أيا بائعا ليلى بمكة ضلة / تبايعتما، هل يستوي الثمنان ?
فما غبن المبتاع ليلى بماله / بل البائعا ليلى هما غبنان !
وتذكرنا هذه البيعة بقصة الجارية التي باعها سيدها تحت إكراه الفاقة والاحتياج فاشتراها منه عمر بن عبيد الله بن معمر الجواد، وما إن تمت الصفقة حتى انهد ركن الصبر وانتكثت عرى الجلد، فاستعبر البائع والمشتري، وأنشأ البائع يقول:
أروح بهم منك من هواك مبكر / أناجي به قلبا كثير التفكر .
عليك سلام، لا زيارة بيننا / ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر .
فما كان من ابن معمر إلا أن قال له: لقد شئت، وسلمه الثمن والمثمون ..
كما تذكر هذه القصة بقصة مماثلة تذكرها كتب الأدب، وهي أن رجلا اشترى مملوكا من سيده وكان المملوك طيب النغمة فلما سار معه ميلا أنشأ يغني:
وما كنت أحجو معبدا سيبيعني
بشيء، ولو أضحت أنامله صفرا .
أخوهم ومولاهم وحافظ سرهم
ومن قد ثوى فيهم وعاشرهم دهرا .
أشوقا ولما تمض لي غير ليلة
فكيف إذا جد المطي بنا شهرا ?!
فما كان من المشتري إلا أن أعتقه وخلى سبيله ..
ومن جيد ما ورد في المعاوضات _لكن سلبا- تلك الصفقة التي أباها البحتري وهي استبدال العراق بالشام:
واشترائي العراق خطة غبن/ بعد بيعي الشآم بيعة وكس .
ومن الصفقات التي عرضت في قالب شعري بالغ الحسن صفقة ابن أحمد يوره:
دار متى ترض دنيانا معاوضة / عنها بشيء، فأيدينا وأيديها ..
وهذا ما في الجراب الآن، فهل عندكم من مزيد …?