من بدائع التصوير / ذ السيد أحمدو الطلبة
المنازي شاعر مقل مجيد للغاية من أهل القرن الهجري الخامس، سمعت له في مجالس المذاكرات قبل عقدين من الزمن أبياتا يصف فيها يوما رائقا قضاه مع رفقائه في صفاء من الوقت بأحد الأودية، نفذت إليهم النسائم واحتجبت عنهم الشمس، وسرحت نواظرهم في جمال الطبيعة وسحر الرمال الذهبية:
وقانا لفحة الرمضاء واد / سقاه مضاعف الغيث العميم .
نزلنا دوحه، فحنا علينا / حنو المرضعات على الفطيم .
وأرشفنا على ظمإ زلالا / ألذ من المدامة للنديم .
يصد الشمس أنى واجهتنا / فيحجبها، وياذن للنسيم .
يروع حصاه حالية العذارى / فتلمس جانب العقد النظيم .
البيت الأخير بديع، نقل فيه الشاعر صورة حية لفتاة حانت منها نظرة إلى أسفل، فصوبت نظرها ليروعها بريق الحصى فتضع يدها من غير شعور على عقدها لتستوثق من أن السلك لم ينفرط وأن جواهر العقد لم تتناثر على الأرض، وما ذلك إلا لشدة مشابهة حصى الوادي لجواهر عقدها الذهبي المصون …
وفي هذا المعنى تسنح لنا أبيات مشابهة، منها قول أحدهم وقد دخل موسم الحج وأحرم الناس من مواقيتهم، ولم يرق له الرحيل عن جسر الحسين وتراب زنجرود:
زار الحجيج منى، وزار ذوو الهوى
جسر الحسين وشعبه واستشرفوا .
والله لو عرف الحجيج مكاننا
من زنجرود وجسره ما عرفوا .
أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا
بالمأزمين عشية ما طوفوا .
أرض حصاها جوهر، وترابها
مسك، وماء الند فيها قرقف .
كما يحضر في المعنى قول الشيخ سيدي محمد ابن الشيخ سيديا _وقد أبدع ما شاء_ وهو يصف رمال تيرس التي تتلون تبعا للون الشمس فتكون بيضاء فضية ناصعة في ساعات الهجير، وتكون صفراء ذهبية في أواخر ساعات العشي:
وغيطانا كأن بها بحارا
من الأقط المموه بالمرايا .
يفضضها الهجير وكل بدر
وتذهبها الغدايا والعشايا .
يود ذوو البلهنية اضطجاعا
بها بدل الطنافس والحشايا ..