تقارير وبحوثذ.الشيخ بن ابَّ

بحث “معجزة من وحي النبوءة” / الأستاذ الشيخ ولد ابّ

بحث للأستاذ والفقيه الموريتاني الشيخ ولد ابّ حول “معجزة من وحي النبوءة” اكتشفها العلامة اليمني الزنداني..

بسم الله الرحمن الرحيم  والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد هذا ما أمرتني بكتابته من المباحث اللغوية والأصولية في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما بين مصراعي باب الجنة كما بين مكة وبصرى أو كما بين مكة وهجر).

فنقول وبالله التوفيق: كلمة (بين ) تفيد التنصيف والتشريك وهي إما أن ترد معها ما الموصولية أو لا.

فإما إذا وردت مجردة من (ما) الموصولية فإنها تحتمل التبعيض وتحتمل الاستغراق فإذا قلت داري بين السوق والمسجد فإن ذلك يحتمل التبعيض أي أن الدار واقعة في جزء من المسافة فقط وتحتمل الاستغراق أي أن الدار تحتوي جميع المسافة الواقعة بين السوق والمسجد وعلى كل من الاحتمالين فإن الإطراف والحدود لا تكون داخلة في مفهوم البينية.

وإما إذا وردت   مقترنة بما الموصولية فإنها تفيدا لعموم والاستغراق في الأجزاء الواقعة بين الحدود والإطراف وذلك إن الموصول عام والعموم يفيد الاستغراق لكن يبقى دخول الإطراف والحدود محل احتمال فتارة تكون داخلة كما في قول ابن ميادة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وكان أمير المدينة :

وملكت مابين العراق ويثرب …. ملكا أجار لمسلم ومعاهد

فقوله يثرب داخلة لأنه كان أميرا عليها.

 يقول في البيت الذي سبقه: 

إن المدينة أصبحت محمودة …. لمتوج حلو الشمائل ماجد

ومن ذلك قول الفقهاء (العورة مابين السرة والركبة ) ثم اختلفوا هل السرة والركبة داخلتان أم لا على ثلاثة أقوال          فإذا تقررت هذه القواعد اللغوية في (لفظة بين ) فنقول قوله صلى الله عليه وسلم (ما بين مكة وبصرى) لا إجمال في مفهومه لان بصري موضع صغير محصور، أطرافه متقاربة لكن يبقى الإجمال في قوله (مابين مكة وهجر) لأن هجر إقليم له إطراف متباعدة فهل يكون الطرف الأقصى داخلا كما يدل لذلك البيت المتقدم أولا يكون داخلا؟ 

الجواب إن دخول الطرف الأقصى متعين وذلك لعدة وجوه:

الأول أن اللفظ إذا احتمل معنيين وكان احدهما اظهر من الأخر وجب الحمل على الأظهر والدخول هنا اظهر من الخروج لان ما الموصولية من أدوات العموم والعام كما عرفه أهل الأصول اللفظ المستغرق الصالح له دفعة من غير حصر فقولهم المستغرق الصالح له يتناول مسألتنا لان الطرف الأقصى صالح للدخول كصلاحية غيره للدخول.

 الثلني على فرض تساوي الاحتمالين فإننا نقول يكون اللفظ على هذا الفرض مجملا لان المجمل ما تطرق إليه احتمالان متساويان والقاعدة الأصولية ان المجمل إذا وقع بيانه  انتفى إجماله ووجب المصير إلى بيانه وهنا وقع البيان بقوله صلى الله عليه وسلم (ما بين مكة وبصرى) لأنها قرينتها  في اللفظ فتكون المسافة الواقعة مابين مكة وبصرى هي المبينة للمسافة الواقعة (مابين مكة وهجر) على قاعدة صرف المجمل إلى مبينه.            

      ثالثا إن (أو) في قوله  صلى الله عليه وسلم ظاهرة في معنى التسوية كما اخذ العلماء من قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) الآية التسوية بين الإطعام والكسوة و التحرير الرقبة  إلا أنها في لآية للتسوية في الحكم وفي الحديث للتسوية في البعد الذي سيق من أجله الكلام.

رابعا – لو فرضنا فرضا بعيدا أن دلالة اللفظ على خروج الطرف الأقصى من هجر راجحة وأن دلالته على دخوله مرجوحة لوجب التأويل لأن التأويل وهو صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح واجب إذا كان لدليل ظاهر ودليلنا هنا ظاهر وهو أننا إذا حملنا لفظة ما بين على دخول الطرف الأقصى من هجر لكان ذلك مطابقا لقرينتها في اللفظ  ولو حملناها على خروج الطرف الأقصى لم يقع التطابق المراد من الحديث .

وإنما ذكرت لك مسلك الظاهر الدال على التعميم ومسلك الإجمال ومسلك التأويل لأن أوجه الدلالة منحصرة في هذه الثلاثة لكن العمل على الوجه الأول هو مسلك الظاهر الدال على التعميم أظهر وأوجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق