الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

الأعمار في الشعر / ذ. السيد أحمدو الطلبة

في العصر الجاهلي سجل زهير ابن أبي سلمى عمره في شعره حين بلغ الثمانين معربا عن ضجره من الحياة ومتاعبها:

سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش / ثمانين حولا لا أبالك يسأم .

 

وبعد ذلك بعشر سنين سجل اكتمال التسعين، مستقصرا تسعة عقود مرت كأنها برق خاطف:

كأني وقد خلفت تسعين حجة / خلعت بها عن منكبي ردائيا .

 

وقد اشتهرت شكوى لبيد من طول عمره:

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا الناس: كيف لبيد ?

 

ولما بلغ سحيم ابن وثيل خمسين عاما تبرم بالشعراء وميادين السجال:

وماذا يبتغي الشعراء مني / وقد جاوزت حد الأربعين .

أخو خمسين مجتمع أشدي / ونجذني مداورة الشؤون

 

وللمختار ابن حامد وقد أظلته السبعون:

لا تصحب العين، أصبحت ابن سبعينا

ليس ابن سبعين ممن يصحب العينا

 

وطلب منه بعض أصدقاءه أن يرثيه ليسمع رثاءه قبل الموت فقال:

فقدنا أمس مختارين منا / لكل منهما شرف وعد .

لهذا قطرب جد، وهذا / له باب العلوم محمض جد .

بقينا خلفهم نفرا ضعافا / لنا تسعون كاملة تعد .

إلهي ارحم أولئك واعف عنهم / وأوزع هؤلاء ليستعدوا .

 

ومن أحسن شعر المعاصرين في الموضوع قول الدبلماسي السعودي الراحل قبل بضع سنوات غازي القصيبي وقد بلغ خمسا وستين عاما:

خمس وستون في أجفان إعصار / أما سئمت ارتحالا أيها الساري ?

أما سئمت من الأسفار، ما برحت / إلا وألقتك في وعثاء أسفار .

والصحب أين رفاق العمر ? هل بقيت / سوى ثمالة أيام وتذكار ?

 

وله أيضا وقد بلغ السبعين:

ماذا تريد من السبعين يا رجل ?

لا أنت أنت، ولا أيامك الأول .

 

وافتك كالحة الأنياب حاسرة

كأنما هي سيف سله الأجل .

 

أواه سيدتي السبعون، معذرة

حيث التقينا ولم يعصف بي الأجل !

 

قد كنت أحسب أن الدرب منقطع

وأنني قبل لقيانا سأرتحل .

 

أما محمدو ولد محمدي رحمه الله فلما أشرف على أبواب الثلاثين التي لم يعش بعدها أزعجه خوف المصير:

فما أنت واستقبالك اللهو والصبا / وقد أدبرت عشرون من بعدها عشر

 

ويبدو أن مشرب ولد محمدي في سن الثلاثين غير مشرب أحدهم وقد وعظه إخوانه مذكرين له ببلوغ تلك السن:

يقولون: ما بعد الثلاثين ملعب / فقلت: وهل قبل الثلاثين ملعب ?

لقد جل خطب الشيب إن كان كلما / بدت شيبة يعرى من اللهو مركب .

 

ولعل صاحب هذا المشرب يوافق مشرب المتنبي:

 

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه / ولو أن ما في الجسم منه حراب .

يغير مني الدهر ما شاء غيرها / وأبلغ أقصى العمر إذا المرء وفى الأربعين، ولم يكن

بحضرتك العليا نديم الأكارم .

 

أصيب بما تعيى المصائب دونه

فيقرع من تحساره سن نادم .

، وهي كعاب .

 

ولقد حام السفير الزركلي حول هذا المعنى فأحسن متئدا، وأدرك ما أراد ولم يجهد:

قالت: كبرت، فقلت: شابت لمتي

وعلي من برد الشباب إهاب .

 

ليس الصبا إلا بلهنية الصبا

أما السنون فما لهن حساب .

 

ومن ظرافة الزركلي ما ذكر سيدنا محمد المختار ولد اباه في رحلة الشعر العربي على ما أظن أنه قال له: سعادة السفير أنت القائل: قالوا كبرت …الخ فقال له: أنا قلت: قالت كبرت …. أما ما قالوا فلا يهمني ..

 

وقديما اعتبر أرباب المروءات ومكارم الأخلاق أن سن الأربعين منعرج في الحياة لا يسع المرء تجاهله، وفي ذلك المعنى أبيات كان أهل الكوفة يقولون إن من لا يحفظها لا مروءة له:

وصهباء جرجانية لم يطف بها

حنيف، ولم تنغر بها ساعة قدر .

 

أتاني بها يحيى، وقد نمت نومة

وقد غابت الشعرى، وقد جنح النسر .

 

فقلت اغتبقها أو لغيري فاسقها

فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر ?!

 

تعففت عنها في العصور التي خلت

فكيف التصابي بعدما كلأ العمر ?

 

إذا المرء وفى الأربعين، ولم يكن

له دون ما ياتي حياء ولا ستر .

 

فدعه، ولا تنفس عليه الذي ارتأى

وإن جر أسباب الحياة له الدهر .

 

بل اعتبر أرباب القلوب وأساتها أن سن الأربعين لا يليق بالمرء أن يبلغها إلا وقد نفض يديه من غبار العالم السفلي:

 

 

الله المستعان ….

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق