أمانات العشاق / ذ. السيد أحمدو الطلبة
دأب المحبون من عصور بعيدة على الحديث بأساليب متنوعة عن أمانات استودعت عندهم وعهود أخذت عليهم ….
زعم جميل ابن معمر أن بثينة أخذت عليه مواثق غليظة أن لا يبوح بحبها:
لا لا أبوح بحب بثنة، إنها / أخذت علي مواثقا وعهودا !
وادعى أنه حافظ لذلك السر:
إني لأحفظ سركم، ويسرني / لوتعلمين بصالح أن تذكري .
وأقسم عروة بن حزام بأغلظ الأيمان أنه ما خان الأمانة ولا أفشى السر:
فوالله ما حدثت سرك صاحبا / نصيحا، ولا فاهت به الشفتان .
وكذب كثير عزة الشائعات التي تحدثت عنه أنه باح بمكتوم حبه:
لقد كذب الواشون، ما بحت عندهم / بليلى ولا أرسلتهم برسيل .
وإن كان كثير كذب الوشاة في هذا الخبر فقد اعتبر أحدهم مثل تلك الشائعات فرصة سانحة للإعلان:
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا
سوى أن يقولوا إنني لك عاشق .
نعم صدق الواشون، أنت حبية / إلي وإن لم تصف منك العلائق .
وأساليب المحبين في رعاية أماناتهم شتى ..
بعضهم رد السائلين عن سره بعمياء، فانقلب المستخبرون من عنده بخفي حنين، ورد عليه السائلون حائرين وصدروا حائرين:
ومستخبر عن سر ليلى، رددته / بعمياء من ليلى بغير يقين .
يقولون خبرنا فأنت أمينها / وما أنا إن خبرتهم بأمين .
وبعضهم خشي الجلساء على خواطره فخرج من بين البيوت ليحدث نفسه في صفاء الخلوة:
وأخرج من بين البيوت لعلني / أحدث عنك النفس في السر خاليا .
وفي سبيل كتم السر وحفظ الأمانة اصطنع ابن الطثرية عللا شتى لزيارة محبوبته حتى استنفد المعاذير، فأعيته الحيلة ولم يدر ما يقول:
ويا من كتمنا حبه لم يطع به
عدو، ولم يؤمن عليه دخيل .
فديتك أعدائي كثير، وشقتي
بعيد وأشياعي لديك قليل .
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة
فأفنيت علاتي، فكيف أقول ?
وغلبت بعضهم العبرة على الإفشاء فوهت أعذاره وتهافتت حججه وأفشى معذورا تحت سلطان القهر:
فسالت عبرة أشفقت منها
تسيل، كأن وابلها فريد .
فقالوا: قد بكيت ? فقلت: كلا
وهل يبكي من الطرب الجليد .
ولكني أصاب سواد عيني
عويد قذى له طرف حديد .
فقالوا: ما لدمعهما سواء
أكلتا مقلتيك أصاب عود ?
لقبل دموع عينك خبرتنا
بما جمجمت زفرتك الصعود .
ومن أرق ما عبر به المحبون عن مشقة تحمل تلك الأمانة قول فقيه المدينة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم / ولامك أقوام ولومهم ظلم .
ونم عليك الكاشحون، وقبلهم / عليك الهوى قد نم لو ينفع النم .
ورأى بعضهم أن المحب الذي بوسعه كتم حبه كاذب في دعواه متشبع بما ليس له:
من كان يزعم أن سيكتم حبه
حتى يشكك فيه فهو كذوب .
الحب أغلب للقلوب بقهره
من أن يرى للسر فيه نصيب .
إني لأبغض عاشقا متسترا
لم تتهمه أعين وقلوب .
ومن المحبين “قوم” أهدر سلطان الهوى دماءهم بإفشاء السر:
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم / وكذا دماء البائحين تباح …