الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

الفقه في الشعر / ذ. السيد أحمدو الطلبة

من المسلمات الأدبية أن استعمال المصطلحات الفقهية في الشعر مما يكسبه برودة ويجعله نابيا عن الذوق السليم، ورغم ذلك فلم تخل هذه المسلمة من استثناءات فقد وردت في الشعر فتاوي واستفسارات فقهية يوصف بعضها بالرقة وبعضها بالطرافة ..

 

من تلك المستثنيات قول أحد العاشقين ناقلا عن “مفتي مكة” الذي بدا من خلال فتواه بعيدا من الجمود:

سألت الفتى المكي هل في تزاور / وضمة مشتاق الفؤاد جناح .

فقال: معاذ الله أن يذهب التقى / تلاصق أكباد بهن جراح .

 

ومن ذلك توسل أحدهم لمطلوبه بما سماه “رخصة اللمم”:

إذا قلت هاتي نوليني تبسمت / وقالت معاذ الله من فعل ما حرم .

فما نولت حتى تضرعت عندها / وأنبأتها ما رخص الله في اللمم .

 

يحكى أن الرجل الصالح محمد ابن المنكدر أنشده أحد جلسائه هذين البيتين وهما من شعر وضاح اليمن، فضحك وقال: لقد كان وضاح اليمن فقيها في نفسه ..

 

ومن ذلك فتوى الغانيات المستبيحات لدماء المحبين بأنه لا وزر ولا حرمة في قتل أسراهن:

حكمت عليه وجرن في الأحكام

حدق المها وسوالف الآرام .

 

كافأن بالقتل المحب، وقلن لي

قتل المحب نراه غير حرام .

 

ومن ذلك قول أبي حنيفة بعدم وجوب الزكاة في مال الصبي الذي استعمله أحد الشعراء استعمالا لطيفا:

أقول لشادن في الحسن فرد

يصيد بلحظه قلب الكمي .

 

ملكت الحسن أجمع في نصاب

فأد زكاة منظرك البهي .

 

فقال: أبو حنيفة لي إمام

يرى أن لا زكاة على الصبي .

 

ومن أرق تلك الفقهيات مسألة بيع السيد في عتق مملوكه:

يحق لجفن العين إرسال دمعها

على سيد قد بيع في عتق عبده .

 

 وما ذنبه حتى يباع ويشترى

وقد بلغ المملوك غاية قصده .

 

ولا أرق في هذا المعنى من شعر ينسب للإمام الشافعي:

خذوا بدمي هذا الغزال، فإنه

رماني بسهمي مقلتيه على عمد .

 

ولا تقتلوه إنني أنا عبده

وفي مذهبي لا يقتل الحر بالعبد .

 

وإذا كان بعض المحبين سأل المفتين لعله يجد عندهم ما يجمع له بين أربه والوقوف عند حدود دينه، فإن منهم من صرح بأنه لا يريد الفتوى في شأن الحب من غير محبوبه:

حقيقة هذا الحكم أدرى بها أروى

ومن غير أروى اليوم لا أطلب الفتوى .

 

ومن الفقهيات الشعرية الطريفة تلك التي أنتجت إباحة الخمر من خلال المزج بين مذهبين:

وقال العراقي النبيذ محلل

وقال حرامان المدامة والسكر .

 

وقال الحجازي الشرابان واحد

فحلت لنا من بين قوليهما الخمر .

 

ومنها فتوى شيخ أبي نواس الذي جاوز الترخيص في الخمر إلى الحث على إحياء الليل بشربها:

قل للعذول بحانة الخمار

في اللهو عند فصاحة الأوتار .

 

إني قصدت إلى فقيه ناسك

متبصر بالعلم والأخبار .

 

قلت العقار محرم، فأجابني

إلا عقارا ترتمي بشرار .

 

قلت الصلاة، فقال فرض واجب

صل الصلاة وبت حليف عقار .

 

ومن جيد الفقهيات الشعرية قول محمد ابن أحمد يوره مستعملا فقهية حق الأب في اعتصار الهبة من الولد:

كنا بميمنة الميمون في طرب

نجني من اللهو ما شئنا ونهتصر .

 

ولليالي رجوع في مواهبها

كأنها الأب يعطي ثم يعتصر .

 

ومن باب أن الإضافة تتم بأدنى سبب يروق لي أن أختم الفقهيات الشعرية بأبيات طريفة للمختار ولد حامد في حكم لعب الأوراق “مرياص” :

قالوا أتلعب مرياصا فقلت لهم

أليس يوجد شغل غير مرياص ?

 

قالوا أتجعلها لله معصية

وكل لاعب مرياص له عاص .

 

فقلت كلا فإني لست أمنعها

بل لست ألعبها “بعدان من راصي” .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق