من أين أبدأ التأبين؟ / حماد أحمد
من أين أبدأ التأبين؟
من أين أبدأ التأبين يا ترى؟ أمن تذكار تلك الزيارات المباركة التي كنا نحظى بها منكم بين الفينة والأخرى وكنت حينها بمعية زملائي وإخوتي أبناء الشيخان في إعدادية اركيز؟ تلك الزيارت التي هي تهذيب تربوي؛ كله دروس وتوجيه نحو الطريق المستقيم، أبذلك الحنان والعطف اللذين كنت تغمرني بهما، رفقة صفيي الأود الشيخ أحمدو في مدينة الشيخ ببرينه؟ أم بشجون الحديث المكتنز خلال سيرنا ذات لقاء عبر الطريق الرابطة بين مدينتي الشارقة والعين الإماراتيتين أواسط تسعينيات القرن الماضي؟ أم بتلك المجالس المترعة بالذكر والصفاء الروحي، الفواحة بشهد الكلام؛ أيام كنت تفتح لنا صفحات عبقة من التاريخ، ونحن نتهجى دروس الأخلاق بتعطش للمعارف وكل ما ترويه من حكايا التنقل بين محاظر محمد ولد احويبل، ومحمد ولد النحوي ( الراجل ) وكأننا نرتع معك في رياضها الغناء..
كيف أبدأ تأبينك؟ ومن أين؟ وبماذا أبدأ؟ ومن يقدر ان يتجرأ على نسج تأبينك؟ لا، لا، شيخي الشيخ محمد الحافظ، إنه ليس تأبيناً.. صحيحٌ أن جسدك الطاهر فارقنا دون سابق إشعار.. لكن حياتنا وزماننا ومكاننا؛ ظروف عامرة بأثر جداك وصدى روحك النقية وبهزج ذكرك وبسيرتك الفواحة العطرة.
لكأنني الآن أجوب معك دلالات رحلات الشيخان الدعوية بمختلف الأنحاء الموريتانية، وكأنني أشاهدك في المجلس، والشيخ محمد الأمين ولد محمد بيب يشاطرك تلك الأحاديث الخاصة، في منزله العامر.
لن نطوي صفحات قصة مجد تسلسل في أسلافك الميامين، كأقراط الذهب؛ خلدتها معالم محجة بيضاء، على هدي الشيخان ومن قبله؛ على نبراس الهداة الأعلام محمد، والشيخ أحمدو؛ والشيخ محمد الحافظ الكبير، لمحات تشع نورا من منطقة الكبلة إلى تجكجه، ثم القدية، لتعم كل أصقاع الوطن، وتسطع خارجه
شيخي الشيخ محمد الحافظ، لم ترحل، وإن رحلت فبجسمك لا أثرك الخالد، فقد أورثتنا الأمانة، والطيبة، والإيمان، والحنان..فكما كنت سخياً وأنت بين ظهرانينا، لم ينقطع سخاؤك ولن ينقطع، فهاهو القاصي كما الداني يأخذان نصيبهما غير منقوص مما تركته من كنوز محبة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام..ومن كنوز الأخلاق والقناعة والصدق مع الخلق ومع الخالق.
شيخي الشيخ محمد الحافظ، ها نحن نرثيك بما جادت به قرائح المبدعين شعراً ونثرا فصيحا وشعبيا..لقد أجادوا وصدقوا، وأنصفوا، لكن أيا منهم لم يفك غير النزر اليسير من حقك علينا، و ما أحاطوا بمناقبك كلا، وهيهات أن يحيطوا بها علما.
شيخي، سأنهي هذه السطور بسؤالٍ عريض، وأعرف أني أنهيتهاُ من حيث بدأت، دون أن أؤبن أو أعزي فيك أهلي .. سأسأل سؤالاً ربما يجول في خواطرنا جميعاً وهو: هل هناك من يماثلك في هذه السجايا والمكارم مجتمعة؟
حمّاد ولد أحمد