نبذة عن حياة الشيح محمد المشري بن عبد الله العلوي رضي الله عنه
نبذة عن حياة سيدي محمد المشري بن عبدالله العلوي رضي الله عنه :
هو رضي الله عنه العارف الفرد لسان الحضرة والناطق الرسمي باسم دوائرها المعبر عن حقيقتها من حيث هي الدال على الله بحاله ومقاله ،وهو رضي الله عنه من تفتقت على يده وبقلمه الفياض المعارف فأبرز منها بترتيب رباني ،ما لم يسبق إليه وما لن يلحق به فيه غيره مطلقا.
فهو الذي أبان المعارف إبانة بقيت معها مصانة وفصل نسب الدوائر والحقائق والحضرات تفصيلا اتضح به المشرب وكمل به التعرف واستبان به الصراط المستقيم معنى وصورة وحقيقة.
وتربى في بيئة صوفية صافية في كنف والده قطب الحقيقة وبدر الطريقة وجيلم الشريعة السيد عبد الله بن الحاج المشهور بأذواقه وجذبه وتصرفه وكراماته الباهرة.
وقد كرس فضيلة الشيخ محمد المشري بن عبد الله بن الحاج العلوى ، حياته للدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله من أجل تطهير الدين من كل الشوائب والأخذ بيد كل من حاد عن الصواب ليريه طريق الهداية والرشاد.. باذلا كل جهده في إنقاذ المسلمين من تيارات الزيغ والإلحاد الجارفة في عصرنا الحاضر، وذلك بتوجيههم إلى خير وقاية وخير علاج، ألا وهو الإيمان بالله تبارك وتعالى.. إيمانا يتميز بالقوة والرسوخ يقي صاحبه بوائق كل الأزمان، ويكسبه مناعة ضد كل ما من شأنه أن يمس من عقيدته.
نشاته :
ولد سيدى محمد المشرى بمنطقة العقل (مقاطعة اركيز) سنة 1914 تربى في كنف والده العالم الجليل عبد الله بن الحاج الذي عرف بشجاعته وإقدامه، مع تدينه وصلاحه، مما أكسبه مكانة مرموقة في مجتمعه، ووالدته الفاضلة عمرانة بنت المداح التي عرفت – هي الأخرى- بذكاء وفطنة شديدين.. في هذا البيت وبين أحضان هذه الأسرة التي جمعت بين الصلاح والشجاعة والذكاء والفطنة، تربى محمد المشري وفاز بحصة الأسد من كل تلك الخصال.. كان ذكيا، صالحا، فطنا، شجاعا.
دأب على طلب العلم منذ نعومة أظافره.. حفظ القرآن في صباه.. أخذ من علماء الوطن في مختلف أنحاء البلاد الكثير من علوم الفقه والنحو واللغة غير عابئ بكل ما يعترض طالب العلم من الصعاب، جاعلا نصب عينيه هدفه الأسمى وهو الحصول على أكبر قدر من العلوم، الشيء الذي تمكن منه..
تربيته الصوفية :
وهكذا عندما أخذ من كل العلوم بطرف راودته فكرة أخذ الطريقة التجانية، ولكن على من؟.. إلا أنه بعد بحث مونولوجي بينه مع نفسه فضل أن يأخذها على الشيخ محمد الأمين بن بد على عادة السلف الصالح، ولكن نفسه ظلت تتوق إلى معرفة الله.
وفي وصف تلك الحقبة الهامة من حياته يقول سيدي محمد المشري في جوابه على السؤال السابع من أسئلة القنابل اليدوية في الذب عن جميع الصوفية” كانت عندي جدة فائقة في علم السيرة وكانت دائما تعلمني وأنا صبي بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لاقى من التكذيب وكيد الأعداء وما رمي به من السحر والجنون فغرست في قلبي محبته والانتصار له بل وحتى بقي في قلبي أن لا يرمى أحد بمثل ما رمي به إلا أحببته وانتصرت له ومن أجل ذلك أحببت الشيخ إبراهيم ابتداء قبل أن أعرفه .
ولما بلغت وتجدد لي تعلق بمعرفة الله فكرت في وسيلة إلى الله فتحيرت بينه وبين محمد الامين ولد بدي فغير خاف علي ما عليه الشيخ وما عم أصحابه من الفيض وما عليه السيد محمد الأمين من الاستقامة والورع والعلم مع أن والده آب هو وسيلة والدي وطبعا جبل الانسان على ما كان عليه آباؤه وآب خليفة عن والده بدي وذلك عن الشيخ محمد الحافظ وذلك عن السيخ التجاني رضي الله عن الجميع وأرضاه وعنا به آمين.
وهذا السند عن الشيخ التجاني رضي الله عنه أنا لا أشك فيه بحال والذي عند الشيخ لا أشك في كونه حقا وأنه فيض الهي لا مرد له.
إلا أني في تلك البداية أشد ثقة بتيجانية السيد محمد الامين من غيره مع ثقتي بالانتفاع على يد الشيخ أكثر من غيره.
لهذا وقعت في تلك الحيرة التي ذكرت ،لكن بعد تفكر دام ساعات قررت أن آخذ التيجانية من المحل الذي أتحقق تجانيته،وأطلب المدد فإن وجدته استغنيت به وإلا أطلبه من محله الذي لا أشك أنه فيه ،فأتيت السيد محمد الامين ليلا بعد بلوغي بما يقارب عاما وطلبت منه التجانية فقال ليبأدب وحسن خلق :ما بالك في الشيخ إبراهيم ؟
فقلت له “رأيته لكن أتيتكم أنتم”..فواعدني بإعطائها بعد الرجوع إليه فلما رجعت إليه أعطاها لي ومكثت ما يقارب عامين أقرأ الأوراد وأترقب الفتح.
وكنت ذات ليلة نائما حتى رأيت في المنام أنني مشتغل في هدم حائط حتى هدمت منه قدر ما أبصر منه فلما أبصرت رأيت جانب الحائط الثاني الذي لست فيه ،وفيه عدد من الخلق لا يعلمه إلا الله وإذا هم جميعا مشتغلون في هدم الحائط وقد هدموا منه كثيرا فذهبت بسرعة إليهم ودخلت من المحل الواسع الذي هدموا ولم أعرف في المنام من ذلك الخلق إلا محمد الحافظ ولد محمد عالي فتعقلت أنني جعلت يدي عليه حال كوني متجاوزا إلى رجل في وسط الحائط فوجدته رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وصلت إليه ظهرت الشمس لي من المغرب فبهت الذي كفر فاستيقظت وذهبت إلى الشيخ وجددت وتربيت عليه”.
وفي طيبة انيسين وفي مدينة بعد ذلك أخذ المشري يتربى وفي نفس الوقت يحضر دروس الفقه واللغة عند الشيخ وذلك لعلمه أن هذه العلوم الشرعية هي باب المعارف الالهية .. وقد قال الشيخ إبراهيم نياس ان الشرع مقلوب العرش فمن تمكن من الشرع صعد إلى العرش وهذا ما فهمه المشري منذ كان يافعا فلم يتوان في تحصيل العلوم الشرعية.
بشارات من الشيخ :
وتتوارد البشارات من الشيخ إبراهيم على المشري كما تواردت سابقا على الشيخ من والد المشري منذ كان صبياً – وهذا طبيعي لأن الله إذا أراد شيئا قدم له أسبابا- فالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا لما كان مهيئا للرسالة عصمه الله من كل الطيش والزيغ الذي تمخر فيه شبه الجزيرة العربية حتى ارتضته قريش بكبريائها وخيلائها حكما لها في وضع أقدس شيء عندهم وهو الحجر الأسود.. فكذلك محمد المشري هيأه الله لهذا الأمر منذ كان يافعا.
أقول تتوارد البشارات على المشري من صاحب الفيضة فيقول له: “نوبوا عنا في الاسم والله لا يقطع مددكم”.. كلام لا يتبادر إلى الذهن صحيح أنه باللغة العربية الفصحى ولكن ربما يكون من أشكال حوار جبريل، فجبريل لما نزل بقول الله: “كهيعص” وكان الرسول يقول عند كل حرف عرفت، يقول جبريل: فعلمت أن بين الحضرتين سر لا يفهمه غيرهما، فأمر الشيخ المشري بالنيابة لعله كذلك من ذلك القبيل.
ومرة أخرى يقول له في رسالة إليه: “ثاني وجودي محمد ابن عبد الله”، لتتحدد المسئولية ثم يأمره بالرحيل إلى وطنه وفي النفس ما فيها من ألم الفراق ولسان حاله يقول:
أريد وصالها وتريد صرمي *** فأترك ما أريد لما تريدٌ
مدرسته الذوقية :
وفي أرض الوطن تتبلور مهمة المشري أكثر وذلك حين يرسي دعائم مدرسته الذوقية الخاصة، تلك المدرسة التي شق فيها المشري مسارا واضحا للفيضة الإبراهيمية، إنها مثلاً تتخذ من شعر الشيخ زادا لا ينضب لمعرفة الله تبارك وتعالى لما فيه من دلالات ربانية .
والمشري لعلمه أن هذه المعارف الإلهية المستنبطة من الحديث والقرآن وشعر الشيخ لا يمكن أن تترسخ في المريد إلا إذا تعهدت بالصقل والرعاية وهو ما يعبر عنه القوم بالمراقبة.. فقد كان يحرص على أن لا يتوغل المريد في المعارف الربانية إلا إذا أخذ بناصية العلوم الشرعية نظريا وتطبيقيا ، وهذا ما جعل المشري يدعو الناس إلى التحضر لأن التحضر نوع من الوعي، والوعي خطوة إلى الإيمان.. يقول مخاطبا بني قومه:
أسادتنا إن التحضر نعمة من الله عظمى فاقطعوا نحوه شوطا
فالتحضر بالنسبة للمشري زيادة على كونه يضمن الإستقرار والطمأنينة فإنه كذلك سيمكنه من أن يحارب في المجتمع كل الأمراض الاجتماعية الجاهلية وهذا فعلا ما نجح فيه المشري مما أهله أن يكون بحق مصلحا إجتماعيا؛فقد حارب القبلية ودعا إلى صهر طاقات الشعوب كما حارب الجهل وأشرف بنفسه على تنوير مجتمعه، كما حارب الكسل والكبر.. كل ذلك حتى يضمن بروز مجتمع فاضل نبيل متخلق بالمبادئ الإسلامية فقط من أجل أن تكون فيه أهلية أو قابلية للتصدي للمعارف الربانية.
فالغاية من كل شيء هي معرفة الله تبارك وتعالى في دوائره وحضراته مما يفسر لنا أن دور المشري ليس سهلا، فهو من خلال مدرسته يريد أن يقول أن الطريقة التيجانية ليست أذكارا فقط وإشارة صاحبها في ذلك واضحة وهي أنه بشر بفيضة تأتي على يد بعض أصحابه، هذه الفيضة إذاً يمكن أن تستشف حقيقتها عند المشري سواء عن طريق مدرسته أو عن طريق مؤلفاته المتميزة.
عطاؤه العلمى :
فالمشري قد سخر كل عطائه العلمي لخدمة الطريقة والفيضة الإبراهيمية، خصص مؤلفاته لمواضيع مختلفة سواء تعلقت بالذود عن بيضة الطريقة أو لتفسير ظاهرة من ظواهرها استعصت.
وقد ألف مثلا: “ردع أسنة الأوغاد عن أهل السنة والرشاد” وهو كتاب مطبوع يرد فيه المشري بأسلوب علمي على المنكرين على صاحب الفيضة، وكذلك تأليفه المخطوط: “القنابل اليدوية” يرد فيه على بعض الأسئلة منها المتعلق بفقه الطريقة ومنها ما سواه، ومن مؤلفاته كذلك: “القبض والرفع في الحث على اتباع سنة خير هاد” وهو كتاب يفصح فيه المشري عن ثقافته الفقهية الواسعة.
وعدا هذه المؤلفات التي تنم عن رسوخ قدم المشري في العقيدة والشريعة والتصوف فإنه كذلك خلف ديوانا شعريا سخره في جله لمدح صاحب الفيضة كما يكشف فيه عن كثير من الأسرار الربانية التي يجد فيها العارف ضالته.. يقول مثلا :
تحققت أن الشيخ ظل وخاتم ** لأحمد ظل المصطفى وسلالته
فمعنى هذا البيت ليس بديهيا بل لابد لفهمه من أهلية خاصة وعناية ربانية.
وإضافة إلى المؤلفات والشعر فقد خلف المشري كذلك خطبا منها “المسموع والمقروء” وكلها تعالج موضوع الدعوة إلى الله كما تحمل دلالات ربانية لم يفصح عنها قبله، بالإضافة إلى كونها تحمل توجيهات ووصايا تحث على التمسك بحبل الشريعة المتين.
وبعد ، ومهما أطلقنا عليه من تسميات مثل كونه مصلحا إجتماعيا وداعيا فإن العبارة تبقى دائما عاجزة عن أداء مهمتها لا لشيء إلا لأن فهم المشري مرتبط بفهم صاحب الفيضة والعكس وأقرب توضيح لهذه العلاقة ما ذكره لسان حال المشري نفسه حين يقول:
لا تطردوني فإني عبد حضرتكم ** وعبد عبدكم في سابق الأزل
وهذه الثنائية الواردة في البيت نجدها متأصلة في القاموس الصوفي لأنها تستمد أصالتها من ثنائية السيد الذي هو الله والعبد الذي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاته :
توفي رحمه الله في إل 30 يونيو 1975 قرب مدينة سين لويس السنغالية ودفن في قرية معطى مولانا ( مقاطعة اركيز – موريتانيا ) .
وقد رثاه مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه بهذه القطعة الشعرية العجيبة :
محمدنا المشري أتاك حمام +++ وأرجو من المولى أتاك مرام
وقابلك المولى الكريم برأفة +++ وروح وريحان عليك سلام
وعشت عزيزا عابدا متنسكا +++ وفي خدمة المولى أتاك حمام
أحاجي شمر للمعالي مسابقا +++ وعش كابرا إذ أنجبتك كرام
وفي عام خمس بعد تسعين حجة +++ مضى المشري لا عار وليس سقام
وأين له سن وأين شبيهه +++ له جاء من خير الأنام تمام
حبيبا صفيا نافعا متقربا +++ جوادا كريما بل يداه غمام
لك الحمد مولانا أعرت محمدا +++ وقد رد ممن رد وهي فئام
فثلمة دين الله موتك فجأة +++ وإنا له والحمد وهو ختام
لدى معط مولانا دفنتم محمدا +++ بنائله والحزم وهو همام
صلاة وتسليم على خير هاشم +++ وآل وصحب والجميع أمام
رضي الله عنه و أرضاه و رضي عنا به ….