الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

أذواق متباينة / السيد أحمدو الطلبة

من السعادة أن تجد جليسا يقاسمك الإحساس بحسن ما أسرتك محاسنه، ومن سيئ التصرف أن تقدم على طبق من ذهب فرائد اختياراتك لعجمي الذوق …

 

لما أنشد أحد ندماء كسرى في مجلسه مطلع قصيدة الأعشى العصماء التي يمدح بها المحلق:

أرقت وما هذا السهاد المؤرق .. وما بي من داء، وما بي معشق

 

قال كسرى: هذا لص يأرق من غير مرض …الخ

 

كنا في عقد التسعينات من القرن الماضي ثلة من الفتية عقدت أيدينا الأزر، وقد ابتلينا بغزو جمال الشعر لقلوبنا البريئة، فكنا نعقد مجالس مطارحات نتعاطى فيها ما ظفرت به شباكنا من أدبيات…

كنا نسكن في موقع عام يجمع المقبوضين والمبسوطين …

مما ثبت في خاطري على مرور الأيام أني دخلت ذات ليلة على شيخ علم كان يقيم معنا في لبوس طالب لا يدعي لنفسه شيئا يسأل الطلبة عما هو أعلم به منهم، وإذا وصل الجدال الذروة وجدته يحرك لسانه بذكر الله ..

سألني هذا الشيخ عما إذا كنت أحفظ رائية المغيري:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر .. غداة غد أم رائح فمهجر …الخ

 

من حسن الحظ أني كنت حديث عهد بحفظها فاسترسلت في ما حضرني منها، والشيخ يتمايل طربا ثم التفت إلى أحد إخوانه قائلا: نحن في (جهة كذا) من موريتانيا ناكل ونشرب ونظن الدنيا جمعت لنا بحذافيرها، ومن فاته هذا الأدب فقد فاته الكثير …

كما أتذكر في المقابل أنا جلسنا ذات يوم إلى شاب طيب، وأنشدناه أبياتا لأحد الشعراء الذين نفذت سهام كلماتهم إلى شغاف القلوب:

أعد ذكر مصر، إن قلبي مولع

بمصر، فمن لي أن ترى مقلتي مصرا ?

 

رويدا إذا حدثتني عن ربوعها

فتطويل أخبار الهوى لذة أخرى

 

بلاد بها مد السماح جناحه

وأظهر فيها المجد آيته الكبرى

وسألناه عن تعليقه على الأبيات، فقال: لا أجد فرقا بين هذا وبين غيره من كلام العربية … عجيب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق