الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

استهلالات البحتري / ذ. السيد أحمدو الطلبة

لله عهد سويقة، ما أنضرا !

إذ جاور البادون فيه الحضرا .

 

لم أنسه، وقصار من علق الهوى

أن يستعيد الوجد أو يتذكرا .

 

تدرين كم من زورة مشكورة

من زائر وهب الخطير، وما درى .

 

غاب الوشاة، فبات يسهل مطلب

لو يسلكون سبيله لتوعرا .

 

عندما يطرق سمعك هذا الاستهلال لا بد أن يصطادك الحنين إلى “سويقة” وحاضرها وباديها ونضارة عهدها وصفو عيشها وبهاء محلتها، كأنك كنت من قاطنيها وممن نيطت عليهم التمائم على ربواتها وتحت ظلال أشجارها …

وإن كنت لا تعرف أي “السويقات” يعني الشاعر، فالسويقات كثر في العراق وغيرها من البلدان …

 

وعندما تمر بقوله في مستهل إحدى قصائده:

أترى الزمان يعيد لي أيامي

بين القصور البيض والآطام ?

 

إذ لا الوصال بخلسة فيهم ولا

 فرط اللقاء لديهم بلمام .

 

لا محالة ستجد في هذا عبارة تلامس بعض أحاسيسك وتفصح لك عن بعض ما قصرت عنه عباراتك ..

 

وتلك خصوصية الروعة في الاستهلال أوتيها البحتري دون غيره ..

رقة تسقط القارئ في مصايد الأسر من أول وهلة:

عهد لعلوة باللوى قد أشكلا

ما كان أحسن مبتداه وأجملا !

 

أنسى ليالينا هناك، وقد خلا

في ظلها من لهونا ما قد خلا .

 

 

أنى لذي قلب أن لا تصميه سهام البحتري وهو يقرأ قوله مستهلا:

ليالينا بين اللوى فمحجر

سقيت الحيا من صيب الغيث ممطر .

 

مضى فيك وصل الغانيات، ولذة ال

شباب، ومعروف الهوى المتذكر .

 

أو قوله:

شوق إليك تفيض منه الأدمع

وجوى عليك تضيق منه الأضلع .

 

وهوى تجدده الليالي كلما

قدمت، وترجعه السنون فيرجع .

 

أوقوله:

عناني من صدودك ما عناني

وعاودني هواك كما بداني

 

وذكرني التباعد ظل عيش

لهونا فيه أيام التداني

 

مثل هذه الاستهلالات عزيز الوجود في الشعر على العموم وفي شعر الشناقطة على الخصوص، إلا أن العلامة محمد عبد الرحمن ابن السالك عرفت له استهلالات يمكن أن تقارن بالبحتريات بجدارة منها مثلا قوله:

ماذا سيذكره إذا لم يذكر

عهد الصبا بين الرسوم الدثر ..

 

ومنها قوله في مستهل قصيدة يهنئ بها أحد الكبراء بمناسبة مقدمه من الحج:

البشر في وجه السفار المسفر

عن غرة العصر الإمام الأكبر .

 

وقوله في مستهل أخرى:

إن المنازل ساحة البتراء

هاجت عليه لاعج الأهواء ..

 

ولذلك نظائر في ديوانه الذي غاب عني منذ مدة بيد أحد أكابر إخوتي، رده الله لنا هو والديوان والرفقاء سالمين غانمين حتى تقر بهم العيون وينثر فرحا بهم كل مكنون، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق