تكيورت الصباح  / أ.  محمد بتار الطلبة

(تكيورت) كلمة تحمل أشهر سمات اللسان الصنهاجي وهي من الألفاظ التي لم يعتض منها اللسان الحساني  بديلا يؤدي معناها.

ويمكن أن تعرف  (تكيورت) بعدة تعاريف منها التفريط في المسؤولية بعد تحملها أو فوات فرصة سانحة أو عدم حصول ما كان مرجوا وقد تتقاطع في بعض ذلك مع (التغطاس)  ومآل ذلك كله إلى خيبة الأمل.

وكم تجرع العشاق مرارة هذه الخيبة فأبدعوا في تمثيلها ورسموا مشاهدها بصادق التعبير،  فمن ذلك قول شاعر الغزل  عمر بن أبي ربيعة :

وعصيتُ فيكِ أقاربي فتقطعت

بيني وبينهمُ عُرى الأسباب

 

فتركتني لا بالوصال ممسكا

منهم ولا أسعفتني بثواب

 

فقعدتُ كالمهريق فضلة مائه

في حر هاجرة للمع سراب

 

ويعود فيقول في مشهد آخر :

ومدَّ عليها السجف يوم لقيتها

على عجل تباعها والخوادم

 

فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا

عشية رحنا وجهها والمعاصم

 

معاصم لم تضرب على البهم بالضحى

عصاها ووجه لم تلحه السمائم

 

إذامادعت أترابها فاكتنفنها

تمايلن أو مالت بهن المآكم

 

طلبن الصبا حتى إذا ما أصبنه

نزعن وهن البادئات الظوالم

 

ويقول العاشق العذري عروة بن حزام بعد انقطاع رجائه من بنت عمه  عفراء التي كان يسأل عمه أن يزوجه إياها فيعده ويمنيه حتى خرج عروة  في عير إلى الشام فقدم على أبي عفراء ابن عم له من أهل البلقاء فزوجه إياها،  ففي ذلك يقول عروة من رائعته النونية:

فيا عمُّ لا أُسقيتَ من ذي قرابة

بلالا فقد زلت بك القدمان

 

ومنيتني عفراء حنى رجوتها

وشاع الذي منّيتَ كل مكان

 

ثم يرسل على عمه سيلا من الدعاء يقول في آخره :

فلا زلتَ ذا شوق إلى من هويتَه

وقلبك مقسوم بكل مكان

 

ويقول  الشاعر الحنفي اليمامي العباس بن الأحنف في بعض ما لقي من ذلك :

أَبكي الذين أذاقوني مودتهم

حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا

 

واستنهضوني فلما قمت منتهضا

بثقل ما حملوني ودهم قعدوا

 

لأخرجنَّ من الدنيا وحبكمُ

بين الجوانح لم يشعر به أحد

 

ولم يكن كثير بن عبد الرحمن الخزاعي أقل العشاق  نصيبا من هذه البلوى ، وهو الذي يقول:

وأدنيتِني حتى إذا ما سبيتني

بقول يُحِلُّ العُصم سهل الأباطح

 

توليتِ عني حين لا ليَ حيلةٌ

وغادرتِ ما غادرتِ بين الجوانح

 

وهو القائل :

وإني وتهيامي بعزة بعدما

تخليتُ عن ما بيننا وتخلّتِ

 

لكالمرتجي ظل الغمامة كلما

تبوّأ منها للمقيل اضمحلت

 

كأني وإياها سحابة ممحل

رجاها فلما جاوزته استهلّت.

 

ومن العشاق الذين  خلدوا بعض وقائع  (تكيورت ) الذي يقول  :

دنت فعل ذي ود فلما تبعتها

تولت وخلت حسرة في فؤاديا

 

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا

 

وإذا كان للشعراء الموريتانيين قصب السبق في تصوير المعنى المقابل لتكيورت وهو المفاجأة السارة حيث يقول شاعرهم  ابن السالم :

بينما نحن في إزاء برينا

نرتعي النوق واردين الإضينا

 

لاح بيت حسبته علويا

ثم كانت منازل العلوينا

 

فإذا البيت غير ما قد ظننا

إن بالبيت قاتلي مذ سنينا

 

فإن لشيوخ الفن الذين عاصروا عهود الهوى في هذه البلاد حظهم   من (تيكيورت)  وفيها يقول أحدهم :

يامِس عند الكركار

جاو اعلين خطار

 

گالو عن بو لحبار

اهلُ عادو باگيل

 

واعلم بيها بكار

واجحدها بيه الويل

 

امان يالمعبود

لو كنت اعلمت اگبيل

 

عنهم باگيل نعود

گيلت اگبيل اگيل

 

ومن وقائع (تيكيورت) التي لا تطاق   في هذه البلاد ما رويته عن أحد أركان ” دولة الظرفاء” أيام قيامها وهو ما حصل لأحد أمرائنا مع نظيره في إحدى الإمارات الحدودية  حيث كان صاحبنا يتردد على بيت الأمير  في غيبته فدخل عليهما صاحب البيت على حين غفلة فرحب بضيفه وطلق له “أم لمنين” وطلب منه البقاء حتى يبلغ الكتاب أجله ، ففعل وتحقق حلم الضيف ورجع إلى ولايته بأم لمنين في موكب عظيم  على نية عدم العودة ،؛فأمهلهم المضيف حتى خرجوا عن حوزته ونزلوا لاستكمال إجراآت الزفاف فأغار عليهم فانهزم الأمير ورجاله وبقيت أم لمنين مع نساء يسلتن عن أطرافها حناء زفافها الثاني فنظر إليها زوجها الأول وأنشأ يقول :

الله يخزيك

يمَّيلمنين

 

مزين فيديك

حنّت ليدي

 

ورجع بها من حيث أتت وخلى حسرات في قلب الأمير المسكين .

 

تكيورت الصباح لا تقل شأنا عن (تكيورت العتمه) التي يضرب بها المثل.

 

وبينما كان أدباء نادي (ذو المجاز) يتطلعون إلى إحدى الطلعات الصباحية التي يحلق بها السيد في مستويات عالية من مواقع الأدب الغض كل صباح خميس  إذا بهم يجدون أنفسهم في هذا الخميس أمام (تكيورت الصباح)

الله المستعان.