ليال مذكورة / ذ. السيد أحمدو الطلبة
من الظواهر المألوفة ارتباط الناس بماضيهم، وما فتئوا يحِنّون إلى أيام شبابهم وإلى حِقَب منصرمة من أعمارهم، والشعر العربي بهذا طافح ولذلك فإنه لا يصلح موضوعا لعُجالات الصباح، لكنني استوقفتني ظاهرة الحنين إلى ليال أو أيام معينة وغالبا ما يظهر من السياق أنها قليلة، ويبرز الحنين إليها في قالَب شعري غاية في الجودة والرقة ..
من أقدم ما وقفت عليه من ذلك قول امرئ القيس:
ليال بذات الطلح عند محجر
أحب إلينا من ليال على أُقُرْ
ومنه بعد العصر الجاهلي للبحتري:
لياليَنا عند اللوى فزَرود
مضيتِ حميدات الفعال فعودي !
كما له من ذلك:
أنسى لياليَنا هناك، وقد خلا
في ظلها من لهونا ما قد خلا .
ومن رقيقه لشاعر الرقة الشريف الرضي:
رُدوا عليّ لياليّ التي سلَفت
لم أنسهن، وما بالعهد من قِدَم
ومنه أبيات عثرت عليها قديما في الحماسة، وكان لها بنفسي عُلوق كبير:
سقى الله أياما لنا لسن رُجَّعًا
وسقيا لعصر العامرية من عصر !
لياليَ أعطيتُ البطالة مِقودي
تمر الليالي والشهور ولا أدري ..
ويذكرني ثاني البيتين بقول شاعر نجد وهو يودعها باكيا على حياة رائقة وأيام طيبة تركها فيها:
شهور ينقضين، وما شعرنا
بأنصاف لهن ولا سرار .
فأما ليلهن فليل خير
وأطيبُ ما يكون من النهار .
وللصرصري في رائيته النبوية البديعة أبيات في هذا المعنى يحن فيها إلى أيام موسم الحج وشعائره، لا أبرد منها على الكبد:
آهٍ لعيش مرّ لي
بين اللوى والأجفر .
وزمنٍ كان بنَعْ
مانَ ربيع العمُر .
ياليت شعري هل تعو
د ليلتي بالمشعر ؟
وهل تزول حسرة ال
فؤاد في محسّر ؟
وهل لأيام مِنى
من بائع فأشتري ؟
ولو بأيام الحيا
ة لمحة بالبصر .
فما على من سامها
بروحه من غَرَر .
يا لك مِن ليلات قر
ب طاب فيها سمَري .
لو سمح الدهر بها
قضيت فيها وطري …
وما أحسن قول محمد ابن أحمد يوره من المتأخرين:
سقى الله أياما لنا ولياليا
عِذابا عَذابا ذكرها حين تُذكَر .
منازل بالميمون بعدي تغيرت
لها منزل في القلب لا يتغير ..
وهذه عجالة كتبتها وقد ضايقني قرب موعد طبي دونه من زحمة السير ما يشوش الذهن ويكدر الصفو، فلم أعطها من الوقت والجهد ما يجعلها لائقة بالندماء الكرام،
ولعلهم يكملون النقص ويسدون الخلل ويرأبون الثأى بما عندهم من أحاديث مناسبة وأدبيات مشاكلة ..
