الأستاذ السيد أحمدو الطلبةصباحيات ذي المجازصباحيات ذي المجاز - صباحيات الخميس

أدب الموائد / أ. السيد أحمدو الطلبة

للموائد أيضا حظها من الشعر العربي، والشعراء ذكروها في سياقات مختلفة ..

تكرّر ذكر الموائد والأطعمة في شعر امرئ القيس الكندي، مما ينبئ عن شَرَه ونهَم لا أعرف هل ذُكر في ترجمته أم لا، ففي أوائل معلقته نجده يذكر الغداء بما فيه من لحم وشحم ويصفهما بأدق الأوصاف:

 

فظل العذارى يرتمين بلحمها

وشحم كهُدّاب الدمقس المفَتّل .

 

ثم نجده في آخرها أيضا يذكر اللحم والشيّ والطبخ:

 

فظل طهاة اللحم من بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل .

 

وفي بائيته المتدفقة رقة:

 

خليليَّ مرّا بي على أم جندب ….. نقَضّ لبانات الفؤاد المعذّب .

 

فإنكما إن تنظراني ساعة ….. من الدهر تنفعْني لدى أم جندب …الخ

 

لم ينس أيضا المائدة والأكل:

 

نمُشُّ بأعراف الجياد أكفنا ….. إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب .

 

وفي “گنَيْديّاته” يذكر ألوانا من الأغذية في بيت يظهر في شطره الثاني زاهدا قنوعا:

 

فتوسع أهلها أقطا وسمنا….. وحسبك من غنى شبع ورِيُّ .

 

وأما عنترة بن شداد فينبئ شعره عن بعد من النهم وترفع عن الشره، وذلك حيث يقول:

 

ولقد أبيت على الطوى وأظله ….. حتى أنال به كريم المأكل .

 

ومن الشعر الذي يفهم منه شغف قائله بالطعام بيت حفظته منفردا من شواهد النحو ولم أقف له على شفع ولا اطلعت على قائله، بيد أن صاحبه يحاول جاهدا أن يُعَرّف مائدة الثريد تعريفا جامعا مانعا لا يبقى بعده لبس، وفي ذلك السياق يقسم أغلظ الأيمان على مقصوده:

 

إذا ما الخبز تادمه بلحم ….. فذاك أمانة الله الثريدُ .

 

ويبدو من شعر أحد شعراء الموائد أن الثريد يتفاضل من حيث الجودة، فالثريد الذي تصنعه (عوكل) -وهي امرأة- يغني عن كل الألوان والأطباق الطعامية:

 

إذا نحن نلنا من ثريدة عوكل ….. فقدْنا، لها ما قد بقي من طعامها .

 

ومن الموائد العربية المذكورة التي خلدها الشعراء مائدة عبد الله بن جدعان التي يقول فيها أمية بن أبي الصلت:

 

له داع بمكة مشمعلٌّ ….. وآخر فوق دارته ينادي .

 

إلى رُدُح من الشيزى ملاء ….. لُباب البرّ يُلبَك بالشّهاد .

 

 

ومن الشعراء من ذكر الطعام والموائد لا حبًّا لها ولا ولَعًا بها وإنما في سياق الحث على شيم الكرام والترفع عن السفاسف والارتداء بحلية أهل الفضل، كقول الشنفرى:

 

وإن مُدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجلُ .

 

ومنهم من ذكر الموائد في سياق هجاء خصومه كقول جرير في تغلب:

 

قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهمُ

واستوثقوا من رِتاج الباب والدار .

 

وكقول أحد الشعراء في تميم:

 

إذا ما مات ميت من تميم ….. وسرّك أن يعيش فجئ بزاد .

 

بلحم أو بخبز أوبتمر ….. أوالشيء الملفف في البجاد .

 

والشيء الملفف الذي يعني الشاعر هو الضب لأن تميما كانوا يعيرون بأكله، وفي ذلك قصة الأحنف بن قيس مع معاوية وهي مشهورة، وفي تميم أيضا يقال:

 

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا …. فقل عدّ عن ذا، كيف أكلك للضبّ؟

 

وفيها أيضا:

 

ألا أبلغ لديك بني تميم …. بآية ما يحبون الطعاما .

 

ولعل تميما من أشهر القبائل علاقة بالموائد ..

 

ومن هذا الباب قول شاعر في هجو أحد أعدائه:

 

لعمر أبي بشر لقد خانه بشر

على ساعة فيها إلى صاحب فقر .

 

فما جنة الفردوس أقبلت تبتغي

ولكن دعاك الخبز أحسب والتمر .

 

ومن شعر الموائد الذي أراه ظلما للنحو والنحاة قول أحد الأكَلة:

 

النحو شؤم كله ….. يذهب بالخبز من البيت .

خير من النحو ومن أهله ….. ثريدة تعمل بالزيت .

 

فلقد باع هذا القائل علما جليلا وشيوخا أجلّاء بثمن بخس ..

 

لم أستحضر في شعر الشناقطة ذكرا للأكل والموائد إلا النزر القليل الذي ياتي بعضه في سياق الممازحة كأبيات الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي التي يصف بها طريقة تناول نديمه المسمى (نحن) لوجبات الطعام وكيفية تواتر لقماته في الانحدار في حلقه:

 

تخال لقماته العظمى براحته

كراكر الإبل أو جماجم الشاء .

 

ما بين طلعتها فيها وغيبتها

في فيه إلا كلمح الطرف من رائي ..الخ

 

كما نجد في شعرهم ذكر موائد الشعر كقول محمد أحمد يوره:

 

أشعارنا أهل هذا العصر باردة

لم تُشو شيا ولم تُطبخ بأبزار .

 

لو أنهم أحضروني طبخها مكثت

من بعد تمليحها شيئا على النار .

 

أسأل الله في هذا اليوم المبارك الذي تداعت فيه حداة ركب النصرة من كل جانب أن يعيذني من انحطاط الهمة والإخلاد للأرض، وأن يجعلني من أهل الشطر الأول لا من أهل الثاني:

 

وما يستوي من همّه الله وحده …. ومن همه الأعلى حضور الولائم .

 

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا

إله إلا الله، أستغفرك وأتوب إليك ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق