جودة المعنى / أحمد أمين اباه
جودة المعنى
إذا تجاوزنا المكونات الشكليَّة للشعر، وتناولنا المعنى، من منظور قيمته وغايته، لا بد من تطبيق بعض عناصر جودة المعنى التي أوردها قدامة بن جعفر في كتابه المعروف “نقد الشعر” :
وأول هذه العناصر، *صحَّة المعنى*: يقول قدامة بن جعفر إن المراد بالصحَّة: وضعُ كلمات في قوالِبَ ملائمةٍ للمحلِّ والحال، فعلى الشاعر مراعاةُ نفسية المتلقِّي، وأن يتجنَّب الإحالة والإغراق المفضِيَين إلى التَّشويش على المتلقِّي، وعدم تمكُّن المعنى من ذهنه.
ووقع بعض كبار الأدباء في أخطاء من هذا قبيل الإحالة والإغراق، فنجد في بعض النصوص اختلالات منطقية ولغوية أحيانا، فتراه يتحدث بضمير الجمع وينتقل إلى المفرد، وتارة لا يوفق في الشاعر في حبكة وتماسك الموضوع:
يقول الأديب الكبير يحيى ولد باب
مذكور الشرڭ انُّو اخريفْ — عاڭب دهرُ ما فيه ريفْ
إريفِ يحثِ وانسيفْ — من سنين اترماتُ
من طول الشَدَّ وانزيفْ — سدرُ مات وتَماتُ
وامُورْ املِّ مات كيفْ — سدرُ والطلح امَّاتُ
ماتُ ولا نعرف كان واد — بوڭرفَ تيدماتُ
ماتُ ولَّ يكان زاد — تيدماتُ مَا ماتُ
بشرت الطلعة في بدايتها بالخريف بعد جدب وقحط، لكن بقية الطلعة لم تتماشى مع أولها، بل انتهت ببكائية على الأرض والشجر، قد يخيل للسامع معها أن الشاعر نسي أن الأرض أصبحت مخضرة.
فيما نلاحظ وحدة وتماسك الموضوع في طلعة الشيخ ولد مكي:
ذي دار ابعــيربــات — أخلات امن الحيـــات
ءذي دار أمكيرنــات — أخلات امن الحــــي
ءعاد الوكر اديــارات — وازويـــــرت دنبــــي
ذيكي واصل أخلات — امـن الحـــــي هـي
واذرذر صدر الــــواد — وامن الــــم لـــودي
يبست واعكوبت زاد – -الـدنـي ذيـكــــــي
أما إذا تناولنا النص من ناحية *التناسب الغرَضي*: وهو مطابقة الغرَض للمعنى، واختيار الألفاظ التي تُلائم ذلك الغرض، فكثيرا ما نجد في الغزل مثلا عبارات من قاموس المدح ولا تنتمي إلى قاموس الغزل، كما ان البعض لا يفرق بين الرثاء والمدح، كما نجد أحيانا تداخلا مخلا في الأغراض في طلعة واحدة، ولا نعني هنا *الاستطراد* الذي هو من المحسنات المعنوية وهو أن يخرج المتكلم من الغرض الذي هو فيه إلى غرض آخر لمناسبة بينهما، ثم يرجع فينتقل إلى إتمام الكلام الأول كاستطراد محمد ولد بوب جدو الذي تحدث فيه عن مآثر عثمان ولد بكار، وهو اعتراض من أربع تلفواتن خارج موضوع الطلعة الرئيسي.
كان ابعت عن ذ لوطان — وارجعت شوفيلك يالعين
هذ لعيون افذ لوان — اخريف اومنظرهم حسين
شوف لكليت والحسيان — اوشوفيلك زاد انخل عثمان
-يعطيه الرحمة والغفران — سلطان اورافق بالمسكين
عثمان اقليظ اكبير الشأن — أخيار الموت والحين-
شوف بدمقة زاد ايبان– وجوج اوشوفيلك يالعين
احسي أحمد فوك فركان — وافزر ماهم منكوبين
اوشوف ذاك اعليب الفيران — اوشوفيلك سلم علب زين
اوشوفيلك فوكس ذ لوان — اخريف اودخلت توووردين
ومن عناصر جودة المعنى كذلك *صحة التقسيم* و *التتميم*: وصحة التقسيم هي أن يبتدئ الشاعر فيضع أقساماً فيستوفيها، ولا يغادر قسماً منها، أما التتميم فهو أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل معها جودته شيئاً إلا أتى به، مثل إحاطة أحمد سالم ولد بوبوط بجميع موانع الوصل في هذه الطلعة:
كوليلي يالمنك مضنوكْ — اشكيفتْ مرياك امع بوكْ
والكمان الِ فم اجوكْ — الما كط عنكم مركُ
وان شيبان عن لبروكْ — فالحيطْ ءُ لُكُوفْ إفْدَرْكُ
وانتِ لفظك حدُّ لحنوكْ — واجباركْ مغلوكَ طركُ
وامك ما يحرك عنه بوكْ — وانت وامك ما تفتركُ
ءُ حيط اهلك لمجيلُ زاحلْ — من تل امن كبل فركُ
بيه احيوط الناس ءُ ساحلْ — مغلوك ءُ مغلوك الشركُ.