التداولية في لغن / أحمد أمين اباه
التداولية في لغن
عرّف علماء اللسانيات “التداولية”، بعدة تعريفات، وإن لم يعطوها حدا جامعا مانعا، ومن تعريفات “التداولية” أنها دراسة الظاهرة اللغوية من وجهة نظر الخصائص الإستعمالية، فهي تميز بين المعنى السياقي الذي يريده المتحدث والمعنى اللغوي المحض الذي يحمله الملفوظ.
وإذا كانت هذه النظرية تنطبق على لغة التواصل بشكل عام فإنها أخص في الشعر، ولا شك أن في اللهجة الحسانية وفي أدبها عبارات وألفاظ تتغير مقاصدها بتغير سياقاتها، وبتغير مستعمليها.
يقول سيد احمد ولد أحمد لعيده:
اتشاييرْ انخلْ هذا الواد — واللّ زاد الدخلَ لعاد
ماهُ وادْ إزيدْ التفكاد — يسوَ كدْ الّي واقع فيه
وهاذِ لرياحْ الّي تتراد – زاد اعليه امن الّي إغلّيه
يغير أراه ابلد معهود – ماهُ ذا لبلد عالم بيه
إلى ما كرّه فيه اعود — ماهُ لاهِ بعد إغليه
فيما يستعمل سيدي محمد ولد الكصري هذه الألفاظ لمعاني وسياق مختلف:
يامسْ دَارْ إِبلْغَانْ احْيَاتْ — ذاكْ الِّ شَكَّيْتْ انُّ مَاتْ
اگْبَلْ منْ تلْيَاعِ وامْحَاتْ — منْ لخْلاگْ الِّ خَاطِيهَ
اتْلَفَّتْ اعْلِيهَ مرَّاتْ — كِيفْ الِّ نَاسِ شِ فِيهَ
واعْگَبْتْ امْنَيْنْ ابْعِيدْ ابْگَاتْ — وابْگَيْتْ اتْلَفَّتْ اعْلِيهَ
تلْفِيتَ منِّ مَا خَلاَّتْ — فَظْلَ لاهِ نَكْرَهْ بِيهَ
وللَّ نبْغِ ذَ الِّ مَوْجُودْ — اتْلَ ف الدّنْيَ رَاعِيهَ
مَاهْ اتْلَ خَالگْ لَيْنْ انْعُودْ — نَكْرَهَّ وللَّ نبْغِيهَ
وقد يتحد السياق لكن تختلف الألفاظ التي يستعملها الشاعر تأثرا بعوامل عدّة، منها ما هو إجتماعي ومنها ما هو ثقافي ونفسي، فمثلا عندما أراد امحمد ولد احمد يوره التعبير عن شوقه لزيارة بعض الأماكن استعمل عبارات تنمتي إلى حقل دلالي خاص:
مَا تَكْلَعْ شِ حَدْ امَّنْ هَــوْنْ — انْفَدْ مُغْيَ وَ اكْرَظْ مَنْ دُونْ
عًلْبْ الْمَارَدْ وَاكْرَدْ لَعْيُونْ – منْ بَلْ امْنَينَ الْعَلْبْ ارْكَــــاكْ
وِايلَاجَ وَاطِ فَالْمَيْمُـــــــونْ — وَافْكَيْرِينَاتْ أُمَايَـــــنْظَاكْ
امَّلِّ مَا تَكْلَعْ شِ كُـــــــونْ — لِّ تَكْلَعْ شِ عَـــــــنْ لَخْلَاكْ
فيما عبر سيداتي ولد حمادي بطريقته المباشرة:
نبغِ نرْجعْ منْ الْغيبَ — شورْ البْدعْ وبوطوَيْبَ
والشّمْسيَّ وآبْنيْبَ — تلْ انكَنتانْ
وافرْنانْ وبوعْلَيبَ — وابْياظْ الْفرنانْ
هاذِ لرضْ اتْزيدْ هيبَ — وآن يالسّبحانْ
نعرف عنِّ خيرْ فيَّ — نوعدْ ذَ لَوانْ
تمبدغه وافْركْنيَ — فامْناحرْ لبتانْ.
فيظهر الفرق جليا بين “ما تكلع ش” و”نبغ” من جهة وبين “ما تكلع كون اللي تكلع ش عن لخلاك” و”نعرف عني خير في” من جهة أخرى.
في ذات السياق يقول ولد محمدن ولد ابنو المقداد
نبغ نرجع لآكمينِ – وتمرك تجريت عينٍ
ونشوف اللي زاد بينٍ – وأياه اتششات
عاكب لحجب وادوينٍ – من مماريات.
رغم ان الاديب هنا استعمل كلمات من لغة التواصل التداولية، إلا أنه اختار ألفاظا شبه متقابلة من قاموسين مختلفين (الحب والكره)، وذلك مع مراعاة النظير، فـنلاحظ تقابل المعاني في (“نبغ، ونشوف اللي، …..”) و(تمرك عيني، وعاكب، وادويني)، وهذا هو سر جودة النص.
وتدرس التداولية التعبيرات أو التراكيب اللغوية كما يستعملها المتكلم ضمن مقاصده وتحديداته فهي تفترض متكلم ومخاطب وظروف خطاب.
فعندما قال ولد تارمبه:
أتركت اغيودي يغفر لي – فرجل ذا اللي دايم عطبو
عدت الراجل واخلاص اللي – شاف النو وفلّت كربو
فهو هنا حدد المخاطب من خلال اخيتار ألفاظ من قاموس منطقته، وحدد ظروف الخطاب، محققا بهذا أهم قضية من قضايا التداولية وهي “المقصدية” التي قال عبد القاهر الجرجاني إنها تعني أن يكون للفظ المفسر معنى معلوم يعرفه السامع.
وربما يأخذ الشاعر هذا اللفظ من لغة التداول العادية لكنه يحملّه معاني قد لا توجد في غيره من الألفاظ.
عندما قال سيديا ولد هدار في مدح دودو سك:
مزاك اعليّ لاهِ هاك — نعملُّ هاك أُ لانِ شاك
عنّ نعملْ هاك المزاك — اعليّ ما كام اخزينِ
لكيامْ الّ لخلاكِ حاكْ — عاطين بوجهْ راضين
مانك عاط عنّ بـ اكفاك — اتعايرْن واتكميّن
واعليّ تحك هاك اغناك — أ لمدايين امنينْ اتجين
انخليه شورك تجاك — وعْدِ ذاكُ بـ امْدايين
يلّ لا يعمل ذاك أراك — بالعجل ينكال، اهدين
اعل شنواس عت امعاك — انت هاذ يخييني
أنتقد أخوه الأكبر امحمد ولد هدار كلمة “يخيـّـيني” فسأله سيديا: “ماذا كان يجب أن أقول؟”. فأطرق امحمد ثم قال: “ألاّ يخيينى، يخييني”.